لم يتمخض اتفاق الهدنة الروسي-الأمريكي الأخير حول سوريا عن نتائج توقف نزيف دم الشعب السوري، بل تحول إلى اتفاق راعٍ لحملة عسكرية دموية راح ضحيتها أكثر من 250 شخصًا خلال أقل من أسبوع.
و لم يعلق الكثير من العارفين بالشأن السوري، و طريقة تعامل الدول الأجنبية معه و خصوصًا الدول المعنية بشكل مباشر، روسيا و أمريكا و إيران، الكثير من الآمال بنجاح هذا الاتفاق، نظرًا لوجود خلافات جذرية و تضارب واسع في المصالح و الأهداف.
و أعلنت دمشق عن انتهاء الهدنة من طرف واحد بعد ثلاثة أيام من بدئها، في خطوة سارعت الولايات المتحدة على إثرها إلى لوم موسكو، الراعية و الضامنة لنظام بشار الأسد.
و أعقب الأسد هذا الإعلان بحملة دموية على مدينة حلب، ساندته فيها بطبيعة الحال القوات الروسية، التي تدير حتى عمليات الوحدات الصغيرة في جيش النظام انطلاقًا من مكان تمركزها في قاعدة حميميم الجوية باللاذقية.
و خلّفت هذه الحملة المستمرة منذ نحو أسبوع أكثر من 250 قتيلًا مدنيًا، و إلى جرح أكثر من ألفين، و خروج عشرات المشافي و النقاط الطبية الميدانية و مراكز الدفاع المدني عن الخدمة.
و قام الطيران الروسي باستخدام صواريخ ارتجاجية، يقول مهتمون بالشأن العسكري إنّها تأتي في المرتبة الثانية بعد السلاح النووي من حيث خطورتها و قوتها التدميرية.
وبحسب الصور الواردة من مدينتي حلب و إدلب، فإنّ هذه الصواريخ استهدفت مشافٍ ميدانية و مراكز تابعة للدفاع المدني، و أحياء مأهولة، بالإضافة إلى أحد مقرات المعارضة السورية في ريف حماه، و أدت إلى دمار غير مسبوق في الأماكن المستهدفة.
و عقب هذه الحملة بدأت وكالات الأنباء تتداول تصريحات متصاعدة اللهجة بين موسكو و واشنطن، حيث يتم المسؤولون الأمريكيون روسيا بإفشال اتفاق الهدنة من خلال دعم الأسد و عدم إجباره على إيقاف حملته العسكرية على حلب، فيما تقول روسيا إنّ أمريكا تستغل الهدنة لدعم “المجموعات الإرهابية” في المدينة و ريفها.
و بحسب معلومات دبلوماسية خاصة، وصلت إلى موقع مرآة سوريا، فإنّ هناك توجهًا أمريكيًا نحو تعليق المحادثات مع روسيا بشأن سوريا.
و تقول هذه المعلومات إنّ “صبر واشنطن قد نفد من الأفعال الروسية غير المسؤولة”.
و كان توني بلينكن، مساعد وزير الخارجية الأمريكي قد قال في وقت سابق من يوم الخميس إنّ “واشنطن تدرس خيارات أخرى للتوصل إلى الهدف المتمثل في إنهاء الحرب الأهلية وبداية التحول السياسي (الحكومة الجديدة) في سوريا”.
و كشف بلينكن خلال جلسة استماع في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي أنّ الرئيس باراك أوباما قد أوعز إلى جميع وكالات الأمن القومي الأمريكي، بحث كافة الخيارات بخصوص سوريا، بما فيها العسكرية.
و كانت تقارير صحفية قد تحدثت في اليومين الماضيين عن نيات خليجية لتقديم دعم أكبر لقوات المعارضة السورية، و قد تحدث قائد سوري معارض عن وصول راجمات صواريخ متطورة إلى بعض فصائل المعارضة لدعمها على جبهات حلب.
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار الحصار المفروض على أحياء مدينة حلب الشرقية، الخاضعة لسيطرة المعارضة، و التي تتعرض لقصف جوي و مدفعي و صاروخي، يشكل حلقة من أعنف حلقات العنف في سوريا، أدى إلى وقوع عشرات المجازر و سقوط مئات القتلى و آلاف الجرحى في صفوف المدنيين.