عملت تركيا والسعودية في الملف السوري وفق رؤيتين متناقضتين في كثير من الأحيان، وبشكل لا يتفق مع مصالح الشعب السوري، بل إنّ أي خلاف يقع بين البلدين كان يظهر تأثيره بشكل سلبي ومباشر عبر موجة من الخلافات والانقسامات في صفوف المعارضة السياسية وفصائل الجيش الحر.
كان السوريون يعولون على اتفاق حاسم بين تركيا والسعودية لصالح الثورة السورية ناتج عن توافق في الرؤية المعلنة لهما، ولكن الواقع شهد خلافات كبيرة بينهما أدت لانقسامات واسعة في صفوف المعارضة نفسها مما أدى لتراجع دورها باستمرار.
لم يستطع السعوديون والأتراك توحيد مصالحهما المشتركة، وبدلاً من ذلك سادت حالة من الاختلاف والتنافس بينهما لتحقيق مكاسب واختراقات في صفوف المعارضة وتسبب ذلك في تعطيل عمل الحكومة المؤقتة والائتلاف وانتهاء دور المجلس العسكري وأركان الجيش الحر.
مع الاعتراف بحجم الدعم التركي والسعودي للثورة السورية إلا أن تأثيراته السلبية كانت أكثر وأعم من نتائجه الإيجابية، ولا عزاء لنا بسوء إدارتهما للملف أو عدم قدرتهما على إيجاد مشروع عمل مشترك ينهي مأساة السوريين ويخلصهما من النظام فهما يتحملان وحدهما مسؤولية ما وصلت إليه الأحوال في سورية.
رغم ظهور الخطر الإيراني بشكل مبكر على السعودية إلا أنها لم تتعامل معه بشكل جدي وحاسم، وسعت لاحتواء الموضوع بدل مواجهته، مع انجاز إيران لاتفاقها النووي بدأ نفوذها يزداد في المنطقة وظهر كأن هناك اتفاقات غير معلنة عقدتها إيران مع الغرب تسمح لها بذلك، حيث بدأت بالحركة والتمدد بشكل علني عبر ميليشياتها الطائفية الشيعية بحجة محاربة التنظيمات الجهادية السنية ووصل التهديد الإيراني عبر الحوثيين في اليمن للحدود السعودية، وباتت تصريحات المسؤولين الإيرانيين العدائية تجاه السعودية علناً وبدون مواربة.
في الواقع لم تقدم تركيا ما يكفي من دعم لتحقيق انتصار حاسم للثورة السورية مع أنها قدمت الدعم الواسع للمعارضة السياسية وفتحت لها مجالات الحركة بحرية، وقدمت في الجانب العسكري دعماً مقنناً لكنه ساهم في تحقيق الجيش الحر لمكاسب ميدانية واسعة في الشمال وخاصة في إدلب وشمال حلب، لكنها بنفس الوقت أغمضت العين على تدفق المقاتلين عبر حدودها من مختلف أنحاء العالم بحجة نصرة الثورة السورية مع أنهم ينتمون بمعظمهم لتنظيم القاعدة فكرياً وعملياً، ومع تمددهم وازدياد قوتهم امتلكوا السيطرة الميدانية وأخرجوا الجيش الحر من الواجهة تماماً، ما أوجد حالة جديدة تتمثل في طبع فصائل الثورة السورية بطابع إسلامي جهادي متطرف، وأصبح ذلك ذريعة بيد الغرب لعدم دعم الثورة السورية بحجة تحولها نحو الإرهاب خاصة بعد تمكن تنظيم الدولة وجبهة النصرة على الأرض.
أحجمت تركيا بداية عن التدخل المباشر عسكرياً لكنها عندما تدخلت كانت أهدافها محدودة ومقيدة بتفاهمات قاسية مع روسيا، وبقي هدفها الأول الحفاظ على أمنها القومي عبر منع إقامة أي كيانات مستقلة سواء قومية كردية أو طائفية علوية على حدودها.
مع ازدياد موجة العداء للسعودية في الغرب وتصويت مجلس الشيوخ الأمريكي بشكل شبه كامل على إبطال فيتو الرئيس أوباما بخصوص قانون جاستا، أصبحت المخاوف والهواجس السعودية ممكنة.
لا تزال الساحة السياسية الداخلية التركية حافلة بمزيد من التوقعات غير الإيجابية خاصة مع حملات التطهير الواسعة لجماعة فتح الله غولن والتي تحولت في بعض جوانبها لتصفيات سياسية شملت كافة القطاعات في البلاد، كما أن الاقتصاد التركي يمر في أزمة خانقة بسبب أجواء عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
لا شك أن تكثيف اللقاءات والاجتماعات بين تركيا والسعودية وعلى أعلى المستويات يصب في مصلحة البلدين، ويمكن أن يتحول ذلك لتعاون استراتيجي فاعل في مجالات واسعة مع امتلاك البلدين قدرات بشرية واقتصادية واسعة وتأثير في الملفات الإقليمية، لكن ذلك من الصعب أن يتحول لحلف ثنائي قوي.
السعودية تهدف لمقاومة الخطر الإيراني المباشر، ومقاومة ضغط اقتصادي متوقع عليها، لكن ما يهم تركيا الاستمرار بالحفاظ على أمنها القومي من جهة الحدود السورية وتخليص اقتصادها من وضعه الصعب.
تستطيع السعودية حالياً على الأقل تقديم دعم اقتصادي واسع لتركيا، لكن تركيا بالمقابل لا تستطيع فك علاقاتها الوثيقة والإجبارية في هذه المرحلة مع اللاعبين الأساسيين لصالح النظام وهما روسيا وإيران، ويبقى إسقاط النظام أو ضمان مصالح البلدين بصورة أخرى هو الهدف الأساسي لهما.
خارج إطار التمنيات فإن تركيا وإيران تمران بأزمات مصيرية وكلاهما في موقف صعب، وحبذا لو أن تحالفهما جاء وهما أقوياء وليس على هذه الحالة من الضعف، لا تستطيع السعودية فعل الكثير في الملف السوري الأن والتأثير التركي محدود في الشريط الحدودي بانتظار لحظة التفاوض على ذلك.
لا انتظار على المدى المنظور لأي نتائج لصالح الثورة السورية من التحالف التركي السعودي، وعلى السوريين أن يعرفوا أن تحالف الضرورة هذا لم يأتي بسببهم ولا لأجلهم… والأسوأ أنه جاء في الوقت الضائع.
مرآة سوريا