أنهى الجيش التركي فجر يوم الأحد 22/02/2015 عملية نقل رفات “سليمان شاه” جد مؤسس الدولة العثمانية من مرقده في منطقة “قره قوزاق” التي تقع ضمن الأراضي السورية، تمهيداً لإعادة نقله إلى منطقة حدودية أخرى وقع عليها اختيار الحكومة التركية وهي قرية (أشمة) التي تتوضع 200 م جنوب السياج الحدودي وفي منتصف المسافة بين عين العرب “كوباني” وبين بلدة جرابلس التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.
ومن المعروف أن هذه العملية لم تكن عملية النقل الأولى للرفات، ففي عام 1975 م تم نقل الرفات من مكانه القديم على شاطئ الفرات قرب قلعة جعبر التاريخية خوفاً من انغماره بالمياه بعد بناء سد الفرات حيث تم نقله إلى طريق “قره قوزاق”. وفي عام 2003 م أبرمت الحكومة التركية اتفاقية مع نظام الأسد حددت مساحة الحرم المحيط بالضريح بـ 10 و96 متر مربع تعتبر أراضٍ تركية وتقوم الحكومة التركية برعايتها وحمايتها.
وخلال الحرب السورية التي تدور رحاها منذ أربع سنوات شكل الضريح مادة للتجاذب السياسي والعسكري وخصوصاً مع سيطرة تنظيم الدولة على المناطق التي يقع الضريح ضمنها، حيث أكدت الحكومة التركية مراراً أن أي تعرض لجنودها الذين يحرسون ضريح “سليمان شاه” يعد اعتداء على السيادة التركية سوف تدفع ثمنه الجهة المعتدية أياً كانت.
ومع تداعيات تدخل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في عين العرب “كوباني” وإجباره على الانسحاب لصالح قوات الحماية الكردية، وتضارب الأنباء بشأن وصول تلك القوات إلى منطقة الضريح وقرب بدء اشتباكات بينها وبين تنظيم الدولة حوله، سارعت تركيا لإجلاء الضريح إلى منطقة أقرب للحدود التركية في خطوة ذات دلالات متعددة من النواحي السياسية والعسكرية.
فالحكومة التركية -بخلاف التحليلات التي رأت في الخطوة تدخلاً تركياً- تريد أن تنأى بنفسها عن أي تورط عسكري في المستنقع السوري، فإجلاء الضريح من تلك المنطقة يعني إجلاء جنودها أيضاً الذين صاروا بمثابة هدف ثابت سواء لجنود تنظيم الدولة أو للقوات الكردية التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع نظام بشار الأسد، ويمكن في أي لحظة أن يتم الاعتداء عليهم أو اختطافهم من أي طرف مما سيحرج الحكومة التركية ويدفعها مرغمة للتدخل حماية لجنودها أو ثأراً لهم ، هذه الحكومة المقبلة على انتخابات قريبة وغير المستعدة لتحمل تكلفة هذا التدخل أو الرضوخ لابتزاز المعارضة السياسية التي يقترب بعضها أيضاً من نظام الأسد.
وفي نفس الوقت فإن اختيار مكان جديد داخل الشريط الحدودي السوري يعطي رسالة بأن تركيا لم “تهرب” بالضريح إلى داخل الأراضي التركية، وإنما اختارت موقعاً مناسباً يسمح لها بحماية جنودها وإمدادهم وقت الحاجة.