” محمد الأمين الفوراتي “، تلميذ تونسي صغير، عمره أحد عشر عاماً، حاول الانتحار عدة مرات بإلقاء نفسه من مبان عالية، ولكن أستاذه قام بإنقاذه بأسلوبه التربوي السليم، بعد أن قرأ رسالة الطالب التي كانت تحمل معاني اليأس والكره للحياة والمجتمع والأهل والأصدقاء..
عندما قرأ المدرس ” عبد الرزاق الصغير ” رسالة الانتحار تلك التي كتبها تلميذه في الصف السادس من التعليم الابتدائي أدرك من كلماتها أن الطالب بات قاب قوسين أو أدنى من الهلاك، وهذا ما جعل الأستاذ يتدخل بأسلوب خاص لإنقاذه.
الأستاذ ينشط في الحقل الثقافي والمسرحي، من هنا استطاع أن يحول الواقعة إلى مسرحية وجودية تنطلق من الحديث عن اليأس من الحياة إلى الإقبال عليها والتمسك بها.
وفي هذا الصدد يقول المدرس عبد الرزاق إن تلميذه يمتلك قدرات تعليمية خارقة مقارنة بزملائه ولا سيما في مادة الإنجليزية والتعبير الكتابي، لذلك حاول بقوة أن يستنهض فيه مهاراته ويحوله إلى مشروع مبدع.
المسرحية التي اختار المدرس أن يلعب أدوارها التلميذ محمد الأمين وأخته التوأم صفاء، شدت انتباه زملائهم بالقسم، بفضل تدرجها من معاني اليأس إلى الأمل والحياة فاندفعوا للتصفيق بحرارة لهذا الثنائي.
هذه الفرصة التي وفرها الأستاذ لتلميذه اليائس جعلته يبدع، وأصبح لديه استعداد كبير للإقبال على حب الحياة..
ثم يضيف عبد الرزاق ” أحيانا هناك أطفال يتمتعون بمهارات فائقة، لكن للأسف لا يتم الانتباه لهم أو الإحاطة بهم، لا من محيطهم التربوي ولا العائلي، فيجنح بعضهم لمحاولة الانتحار لإثارة انتباه الآخرين من حولهم “.
أما الطفل محمد الأمين فيذكر الأسباب التي دفعته لمحاولته الانتحار، ويقول بكل بساطة وعفوية: لقد حاولت الانتحار لأنني كنت في حالة يأس، وقد شعرت أن الجميع يكرهني، وأني عاجز عن إبعاد الأذى عني، إلا أن معلمي الأستاذ عبد الرزاق وأصدقائي وأختي استطاعوا أن يغيروا نظرتي للحياة وأن أصبح أكثر صلابة لتجاوز الأزمات “..
من جانبها أشادت إحدى الاختصاصيات بعلم النفس بمبادرة المدرس الذي أفرغ محاولة انتحار تلميذه من محتواها ليجعلها مسرحية تنشد الحياة والأمل، لافتة إلى أن الحديث عن ثقافة الحياة تساعد على وقاية الأشخاص من الإقدام على محاولات الانتحار ” وتضيف قائلة: إن حالات الانتحار بتونس ارتفعت بسبب تركيز وسائل إعلام على نقل الأخبار حول الظاهرة، مؤكدة أن ذلك أمر خطير ويتسبب في انتشار “عدوى” الانتحار.
يُذكر أن دراسة نشرتها مؤخرا منظمة حقوقية تدعى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كشفت عن تسجيل 153 حالة انتحار و50 محاولة العام الماضي بينها 18 حالة الدى أطفال.