أعلنت جبهة علماء بلاد الشام عن دعوة لاستبدال الليرة السورية بالليرة التركية في المناطق المحررة، موضحة أن الهدف من ذلك حفظ قيمة النقود الموجودة في يد المواطن السوري بعد الانهيار المتزايد لليرة السورية، و حشر النظام في الزاوية و التضييق عليه اقتصاديًا، و أوضحت الجبهة أنها اختارت الليرة التركية دون غيرها لأنها عملة دولة مسلمة و ساندت الثورة السورية و الشعب السوري و في اختيارها مساندة للاقتصاد التركي.
أما عن الآلية التي سيتم من خلالها تنفيذ استبدال العملة فاقترحت الجبهة وجود مؤسسة مالية تتولى مهمة تبديل القطع النقدي من الليرة السورية بالليرة التركية مع منع تداول الأولى بشكل حازم في المناطق المحررة.
هذا البيان لاقى ردود فعل متباينة لدى المواطنين بين مؤيد للفكرة و أهدافها و بين معارض لها و لآليتها.
فالبعض تخوّف من موضوع تقسيم سورية، و اعتبر أن هذه الخطوة هي المرحلة العلنية الأولى على هذا الطريق.
يقول علي كمال الدين : ” أنا أشتم من هذا بداية التقسيم ”
و البعض وافقها باعتبارها أمرًا يضرّ بنظام الأسد و إنّ أي شيء ٍ شبيه يجب اتباعه طالما أن الهدف هو إضعاف الأسد
يقول م.أبو مالك الظاهر : ” كل ما يفيد في إضعاف و إسقاط الأسد و أعوانه من الواجب الشرعي فعله ”
أما الفئة الأخرى فأثنت على الفكرة مع دعوة و تأكيد على وجوب قيام لجنة متخصصة بدراسة الموضوع بشكل متأنٍ و علميّ، ثم اتباعه و طرحه في المناطق المحررة
يقول نضال الصالح : ” فكرة جيدة و لكن تحتاج إلى دراسة معمقة ”
و يقول الدكتور عبد المجيد البيانوني : ” أرى أن هذا الأمر ينبغي أن يعرض على لجنة اقتصاديّة من أهل الاختصاص ، والوعي السياسيّ الواقعيّ وتدرسه من جميع جوانبه وآثاره ، وإمكانيّة تطبيقه والعقبات التي تعترضه ، ثمّ تقدّم الرأي، و لا يجب أن يعرض الأمر بشكل تصويت على العامّة من الناس ”
و يقول محمد أبو اليسر : ” الفكرة أراها جيدة ولكن لا بد من لجنة اقتصادية تدرس هذا الأمر، ولابد من موافقة جميع المسؤولين في المناطق المحررة، بحيث يطبق هذا الأمر على كامل المناطق المحررة ”
التجارب السابقة لتبديل العملة في دول العالم كان الهدف الرئيسي منها التخوّف من ارتباك و تخلخل العملة أمام العملات الأخرى و بالتالي ما يرميه ذلك من عقبات اقتصادية على مستوى البلد، لفرنسا تجربة في ذلك عندما غيّرت العملة من الفرنك الفرنسي إلى اليورو كما فعلت استونيا أيضًا عندما انضمت إلى الاتحاد الأوروبي و بدّلت الكورون الإستوني باليورو، كما أن ليتوانيا استقبلت هذا العام بتبديل “الليتاس” باليورو رغبة منها في حفظ اقتصادها من التذبذب.
عارض 35% من الليتوانيون تبديل العملة و عارض 40% من الاستونيين تبديل عملة بلادهم بينما أيد 29 % من الفرنسيين الخورج من منطقة اليورو و اعتماد الفرنك الفرنسي مجددًا كعملة للبلاد.
و عادة ما يأتي قرار استبدال العملة بعد دراسات اقتصادية و سياسية متأنيّة جدًا، و بعد دراسة الوضع الأمني و السياسي و الاقتصادي للبلد، ففي البلدان المستقرة أمنيًا تكون هذه الدراسات متاحة بخلاف البلدان التي تعيش واقعًا أمنيًا متخبطًا أو تلك الرازحة تحت غمامة الحرب أو الاقتتال الطائفي.
تبديل الليرة السورية بالليرة التركية لا شكّ أنه سيكدّس الليرة السورية في مصارف و مؤسسات النظام و سيضعف من تواجد القطع الأجنبي في خزينته مما يعني تدهورًا مستمرًا لاقتصاده، و خروج الليرة السورية من التداول في المناطق المحررة التي تشكل أكثر من 50 % من مساحة سورية ( بما فيها المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية الذي يدعو هو الآخر إلى استبدال العملة بعملة ذهبية و فضيّة خاصّة به ) سيسحب من النظام السلطة الاقتصادية في هذه المناطق ؛ خصوصًا الشمالية منها التي تأمن كل حاجياتها من تركيا.
لكن آلية التنفيذ ستكون تحديًا كبيرًا و تحتاج إلى أكثر من ” مؤسسة تتولى تبديل الليرة السورية بالتركية ” كما قالت جبهة علماء بلاد الشام، فهكذا مؤسسة لا بدّ ان يكون لها خصوصيتها الاقتصادية و السياسية و قبل هذا و ذاك يجب أن تحظى بخصوصيّة أمنية كبيرة، و هذا الأمر محال في المناطق المحررة التي لا يمكن التنبؤ بالمصير الأمني لأي شبر فيها.
كما أن اختيار الليرة التركية كبديل هو حل مؤقت، فهي في النهاية هي عملة دولة أخرى و عند استقرار أمور البلد لا بدّ من صك عملة خاصة به مجددًا و بالتالي انتقالات جديدة في العملة و آليات ستكون أكثر تعقيدًا.
و سيرمي تبديل العملة مصاعبَ جديدة أمام المواطن الذي يضطر للتعامل بين المناطق التي يسيطر عليها النظام و الأخرى المحررة، حيث سيضطر لتبديل العملة السورية كلما دخل إلى المناطق المحررة ثم سيضطر إلى بيع العملة التركية و تبديلها مرة أخرى بالليرة السورية كلما دخل إلى مناطق النظام، عدا المشاكل الأمنية التي سيخلقها النظام لكل من يستخدم الليرة التركية أو “تُضبط” معه باعتباره يحتك و يتعامل مع “الإرهابيين” كما يرى النظام السوري.
كما أن الجبهة لم تلتفت لرأي الحكومة التركية في هذا الموضوع و لم تتحدث عن هذا الأمر، و مدى قابلية المصرف التركي لضخ الكمية المناسبة و الكافية من النقد ( التي ستكون متزايدة بشكل دائم ) خارج حدود بلاده.
و الليرة التركية لا تتسم بالاستقرار الكبير جدًا أمام الدولار، حيث يمارس البنك المركزي التركي دورًا مهمًا في رفع و الحفاظ على قيمتها أمام الدولار، و كانت في بداية العام الماضي تعاني تدهورًا كبيرًا أمام الدولار الذي وصلت قيمتها أمامه آنذاك 2.20 ليرة للدولار الواحد لتعود بالارتفاع تدريجيًا حتى تستقر اليوم عند 2.34 ليرة للدولار الواحد، و هي تعادل اليوم 94 ليرة سورية.
يذكر أن الليرة السورية هي العملة الرسمية للجمهورية العربية السورية و قد بدأ أول استعمال لها في عام 1948 بعد انفصال مصرف سورية و لبنان الذي كان يصدر الليرة السورية-اللبنانية.
و قد انخفضت قيمة الليرة السورية بشكل كبير بعد انطلاق الثورة السورية فارتفع السعر الرسمي للدولار من 46.9 ليرة في بداية عام 2011 إلى 214 ليرة في بداية عام 2015 بزيادة تعادل 455%.