هل هي معارك بالفعل, أم أنها مسرحيات متفق عليها, أم تحديات للسيطرة على مصادر التمويل و الثروات …
معركتان متتاليتان لا تتجاوز الفترة الزمنية بينهما أسابيع قليلة، خاضهما تنظيم الدولة ضد قوات النظام السوري من أجل السيطرة على حقول وآبار النفط و الغاز في منطقتي شاعر و جحار الممتدتين من ريف حمص حتى أطراف ريف حماة الشرقي, متسلحاً بآلة عسكرية و بشرية ضخمة من حيث العدة و العتاد و العناصر و زمام المبادرة لخوض بالمعركة .
بدأت المعركة الأولى بأسلوب تكتيكي وعسكري مخطط له بإحكام و خبرة عسكرية اعتمدها عناصر التنظيم مستغلّين عنصر المفاجأة و المباغتة كونهم كانوا يسيطرون على إنتاج و مردود أحد الآبار في منطقة شاعر..
وعلى الرغم من وجود شبه اتفاقية مبرمة بين الطرفين بعدم اعتراض أحدهما الآخر، إلا أن عناصر التنظيم المتواجدين في المنطقة بدأوا بالهجوم على عناصر و حرّاس النظام المسؤولين عن حماية و تشغيل الحقول و المعامل و قتلوا العشرات منهم و أسروا عدداً من مهندسي و موظفي المعامل و الحقول من المدنيين، وفيما بعد تم إطلاق سراحهم بعد أن تبين أنهم مجرد عمال عاديين..
و بعد أن تمت المرحلة الأولى من العملية بالتفاصيل التي ذكرت سابقاً, بدأ عناصر التنظيم المحاصِرين للمنطقة بالتقدم للسيطرة على الحقول و المعامل بشكل كامل , و بعد ساعات قليلة من بدأ العملية و بتقارير مصورة و مرئية، أعلن التنظيم سيطرته على منطقة و آبار شاعر بالكامل ثم بدأوا بالتوجه نحو مرحلة أخرى من العملية، وهي السيطرة على منطقة و آبار جحار المجاورة لشاعر, حيث تواصلت المعركة بدون توقف بعد قدوم مؤازرات للتنظيم من مناطق سيطرته في المناطق القريبة من الحقول..
وكان النظام قد دفع إلى المعركة بتعزيزات من منطقة القلمون الشرقي و التي كان التنظيم يسيطر و يتّخذ له مقرات في عدة مواقع فيها, كما استنفر قواته و ميليشياته في المنطقة، وأرسل عدة أرتال مؤلفة من عناصر وعتاد ومدرعات من مدينة تدمر ومطار التيفور العسكري والفرقة الثامنة عشرة المجاورة لمنطقة المعارك..
واستمرت المعارك والاشتباكات مدة أربعة أيام متتالية، أوقع من خلالها التنظيم العشرات من عناصر جيش النظام والميليشيا التابعة له عدداً من القتلى و الجرحى، إضافة إلى تدمير العديد من المدرعات و الآليات , فيما اقتصرت خسائر التنظيم على العنصر البشري و المعنوي الذي أرهقته الكثافة النارية التي انتهجها جيش النظام، فقد استخدم الطيران الحربي و المدافع الثقيلة و البراميل المتفجرة محاولاً من خلالها وقف تقدم عناصر التنظيم و استعادة السيطرة على الحقول..
و بعد ثلاثة أيام من السيطرة الكاملة للتنظيم على المنطقتين و حقولهما , شنّ جيش النظام حملة عسكرية عنيفة لاستعادة المنطقة مستغلاً فقدان وانحسار العنصر البشري الكبير للتنظيم بعد استنزاف الأيام السابقة للمعارك واستقدام تعزيزات أخرى , فشنّ هجومه مترافقا مع تغطية جوية و مدفعية كثيفة استطاع من خلالها السيطرة على المناطق والآبار التي استحوذ عليها
التنظيم و إجبار ما تبقى من عناصره على التراجع إلى مقراتهم و أماكن تمركزهم في الجبال المحيطة بالمنطقة .
عاد بعدها النظام للتمترس و تحصين المنطقة المحيطة بالحقول تحسبا لهجمات مستقبلية مشابهة و إصلاح ما تم تخريبه جرّاء عبث عناصر التنظيم بالمعامل من جهة و القصف العشوائي الذي انتهجه النظام أثناء المعارك و الذي طال المعامل و معدّاتها و تجهيزاتها .
و بعد نحو أسبوعين بدأت مناوشات عسكرية و عمليات كر و فر على أطراف تلك الحقول و الآبار لم يكترث لها جيش النظام و عناصر الحراسة المتواجدين في المنطقة, ثم تبيّن بعد ساعات قليلة بأنه هجوم جديد شنّه التنظيم على المنطقة و حقولها , لكن بتخطيط استراتيجي و عسكري يستطيع من خلاله التنظيم السيطرة و التحكم بزمام المعركة .
بدأت أولاً مناوشات خفيفة على أطراف المنطقة للفت الانتباه , كان من خلالها عناصر التنظيم يعدّون العدة لتنفيذ عدة عمليات في مناطق مجاورة للحقول تزامناً مع تقدّم بطيء في محيط المنطقة , حيث قاموا باستهداف مطار التيفور العسكري المجاور بعملية انتحارية ضمن عربة مفخخة استهدفت بوابة المطار، ثم تم استهداف المطار بصواريخ و مدافع بعيدة المدى, عندئذ تم إعلان حالة الاستنفار في المطار و الفرقة ١٨ العسكرية المجاورة له .
و في الوقت ذاته كان عناصر التنظيم قد بدأوا هجومهم الحقيقي على منطقة شاعر و حقولها و تقدموا تقدماّ ملحوظاً، و في فترة زمنية لم تستغرق يوماً واحداً أعلنوا فيها سيطرتهم على حقول و آبار شاعر و تمكنوا من التقدم و السيطرة على عدة آبار و معامل في منطقة جحار المجاورة , في ظل تخبّط جيش النظام الذي أعلن استنفاره لحماية و دحر هجوم التنظيم على مطار التيفور , و استمرت سيطرة التنظيم على الحقول ثلاثة أيام متتالية , كان النظام حينها يعدّ العدّة و يجهز نفسه لمعركة استعادة المنطقة و حقولها , فاستقدم تعزيزات عسكرية و بشرية بأعداد هائلة أعلن فيها قطع طريق عام حمص تدمر كونه صلة الوصل للإمداد و الإسعافات و أنشأ غرفة عمليات ميدانية تمركزت في مطار التيفور العسكري شملت ضباط هندسة سوريين و إيرانيين لإدارة المعركة و قيادتها .
و في اليوم الرابع بدأ جيش النظام معركة استعادة السيطرة على المنطقة و تم البدء بتمهيد ناري اعتيادي من الطيران الحربي و المدافع الثقيلة و المجنزرات الثقيلة و استمرت المعركة يومين متتاليين تكبّد فيها الطرفان خسائر فادحة في الأرواح و العتاد , لكن الغلبة كانت للنظام كونه كان يسيطر على طرق الإمدادات، ويمتلك العنصر البشري، فاسترجع نحو( ٨٠ ٪ ) من المنطقة , و النسبة الأخرى بقيت خاضعة لسيطرة التنظيم، حيث كانت عناصره متمركزة في مناطق ذات تضاريس جبلية و جغرافية لا يتمكن جيش النظام من القضاء عليهم بسهولة، مما اضطر مسؤولي النظام للتفاوض مع قيادات التنظيم لإيقاف المعارك بشكل تام في المنطقة و العودة لمرحلة الهدنة الشكلية التي تنص على منح التنظيم عدداً من تلك الآبار للاستفادة من إنتاجها و مردودها .
و لا تزال المنطقة حتى اليوم تشهد معارك شبه يومية بعد تعثّر المفاوضات بين الطرفين، و سعيِ التنظيم للسيطرة الكاملة على تلك المنطقة الاستراتيجية , و بالمقابل تشهد القرى و البلدات المجاورة لمناطق المعارك في ريف حمص و حماة الشرقيين و التي تخضع لسيطرة التنظيم, حملات عسكرية يومية لطيران النظام و مدافعه .
و بما يخص الخسائر المادية للحقول و الآبار جراء تلك المعارك و الاشتباكات , فقد اقتصرت على دمار في عدد من محطات الضخ و التكرير و المعدات و التجهيزات المرافقة لها و التي يقوم النظام بصيانتها و إعادة تجهيزها بشكل متكرر , كون تلك الحقول و الآبار من أهم و أغزر منابع النفط و الغاز في سورية.. و التي يستفيد منها النظام سواءً للمحروقات أو ضخ الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية..