ازدادت مؤخراً وتيرة النقاشات على الساحتين الاقتصادية والشعبية في سوريا حول موضوع استخدام الليرة التركية في مناطق الشمال السوري بدلاً عن الليرة السورية.
غالباً ما يرتبط اسم تركيا في أذهان السوريين برابط إيجابي بسبب المواقف التركية المساندة للشعب السوري ، فانسحبت تلك الإيجابية على موضوع استعمال العملة التركية بدون دراسات اقتصادية مستفيضة، حتى أن هيئات شرعية ومجالس اقتصادية دعت بصراحة إلى ذلك الأمر من أبرزها جبهة علماء الشام بالإضافة إلى نقابة الاقتصاديين السوريين الأحرار بالتعاون مع المجلس المحلي في حلب.
موقع مرآة سوريا استطلع آراء مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والتجار وحاول استمزاج آراء المواطنين خصوصاً في المناطق المحررة
الدكتور أبو البراء الحلبي وهو مدرس سابق في كلية الاقتصاد بجامعة حلب أثنى على الخطوة بالمطلق ، حيث انطلق من حقيقة قال عنها وهي حتمية “انهيار الدولة السورية في النهاية” على حد وصفه حيث قال لمرآة سوريا “المحاذير من استخدام العملة التركية تتركز على الخوف من سيطرة الاقتصاد التركي على نظيره السوري، وهذا صحيح مبدأياً عندما تتحدث عن دولة ذات سيادة..للإسف فمن الواضح أن سوريا ستظل لأجل غير مسمى بدون استقرار أو حكم مركزي، وفي هذه الحالة يجب توفير وحدة نقدية ثابتة للمواطنين تحمي مدخراتهم البسيطة جداً من خطر الضياع، إضافة إلى تأثير استخدام الليرة التركية على استقرار أسعار السلع في المناطق المحررة وخفض معدلات تضخم الأسعار”
وحول تأثير استخدام العملة التركية على نظام الأسد قال الحلبي: “استخدام العملة التركية أو الدولار أو أي عملة أخرى سوف يضغط على نظام الأسد بشكل كبير جداً وقد يصل تأثيره الاقتصادي إلى العراق أيضاً عن طريق انتشار استعمال الليرة التركية في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، اليوم أكثر من ثلثي البلاد خارج سيطرة الأسد والتوقف عن استعمال الليرة السورية سوف يغير من وجهة الاقتصاد الذي تديره عصابات الأسد” انتهى كلام الدكتور الحلبي
أبو علاء وهو صراف في منطقة سرمدا الحدودية رحب بالفكرة وقال إنها سوف تقلل من اعتماد الناس على الليرة السورية وعلى الدولار في آن واحد: “معظم التحويلات تأتي من تركيا…عندما تعتاد الناس على استخدام الليرة التركية سيصبح العمل مريحاً أكثر حيث سنستلم ونسلم بالتركي” على حد قوله..لكنه في الوقت نفسه تخوف من انتشار عمليات تزوير الليرة التركية داخل المناطق السورية المحررة.
جابر الشمالي وهو تاجر جملة رحب بالخطوة وقال إنها ضرورية جداً في ظل تفاوت أسعار الليرة السورية أمام الدولار: “نحن لا نستورد من الخارج مباشرة واستيرادنا كله عن طريق تركيا..لا الدولار ولا الليرة السورية تحمي عملنا ومصالحنا لأن حتى الدولار سعره مختلف في سوريا من منطقة لأخرى..أما اذا تم اعتماد الليرة التركية فستستقر أعمالنا وتتثبت إلى حد كبير أسعار المواد في هذه المناطق مما ينعكس على المواطنين”
وجهة نظر أخرى تماماً عبر عنها الخبير الاقتصادي السوري الدكتور عماد الدين المصبح والذي عارض استخدام أي عملة باستثناء الليرة السورية في المناطق المحررة.
الدكتور المصبح الذي تحدث لمرآة سوريا شرح إيجابيات وسلبيات الموضوع : “من ناحية تقنية بحتة كل شيء ممكن ، لكن القضية غالباً ما ستأخذ منحى سياسي اقتصادي طويل الأمد…بمعنى في ظل غياب السلطة الاقتصادية بشكل فاعل على الأرض لابد من وجود نقد بديل عن الليرة السورية يمتاز بالاستقرار في سعر صرفه وتوفر في كميات النقود المعروضة”
وتابع الدكتور المصبح شرحه عن عملية استبدال الليرة والتي يطلق عليها في العلم الاقتصادي بـالوحدة النقدية قائلاً: “الوحدة النقدية عادة ماتكون مرحلة متأخرة من مراحل الوحدة الاقتصادية ، ربما هي ماقبل الأخيرة مباشرة …في هذه الحالة الوحدة النقدية تعني وحدة اقتصادية إلى درجة الاندماج والبنك المركزي في منطقة العملة سيكون قلب النظام الاقتصادي وموجهه، وستلحق كل المؤشرات الاقتصادية بالسياسة النقدية التي سيفرضها البنك المركزي كالمالية العامة والتجارة الخارجية والتضخم والنمو الاقتصادي والتشغيل والبطالة”
وبعد ذلك العرض المختصر يختم الدكتور مصبح بالخلاصة “ ما أريد أن أقوله إن فرض نقد تركيا على جزء من سوريا أو كلها يعني هيمنة البنك المركزي التركي على الاقتصاد السوري جزءاً أو كلاً مما يؤدي لإلحاق الاقتصاد السوري براسم السياسة الاقتصادية التركية وبما أن ذلك الأمر ليس بإرادة ناجزة من السوريين فسيكون بالضرورة احتلال اقتصادي لسوريا من قبل تركيا”
رغم الترحيب الشعبي العام بالموضوع، فإن وجود تحذيرات من خبراء اقتصاديين بالإضافة إلى الضبابية وعدم وجود مشروع واضح سواء لاستخدام العملة التركية أو الإبقاء على السورية يحتم على الفعاليات العسكرية والسياسية والاقتصادية في المناطق المحررة وضع خطة عمل مشتركة بغض النظر عن الخيار المتخذ، فبحسب العديد من السوريين قد يوحد الاقتصاد في النهاية من فرقتهم السياسة والعسكرة.