براميل الأسد -عندما يهبط الموت من السماء..

البراميل المتفجرة ” أقذر الأسلحة المستخدمة في الحروب ” بهذه العبارة يُوصف هذا السلاح الذي حصد أرواح آلاف السوريين الأبرياء منذ أن شرَع نظام الأسد باستخدامه منتصف عام 2012 كعقاب جماعي لسكان المدن الخارجة عن سيطرته .

البراميل المتفجرة عبارة عن خزانات أو اسطوانات مصنوعة من الحديد تحتوي بداخلها على مواد متفجرة ( TNT ) ومواد حارقة ، حيث يصل وزن البرميل الواحد إلى حوالي 400 كغ كمعدل وسطي ، وعلى الرغم من أن هذا السلاح يصنف من بين الأسلحة المحرمة دولياً كونه سلاح عشوائي عديم التمييز إلا أن نظام الأسد بات يستخدمه بكثرة خلال الأشهر الماضية ضد المناطق السكنية مخلفاً دماراً هائلاً وضحايا بالآلاف.

مروحيات الأسد تكاد لا تفارق سماء سوريا وهي تقذف براميل القتل وتنثر الخوف والرعب في صفوف المدنيين ، الأمر الذي جعل غرف العمليات العسكرية لقوات المعارضة تبتكر أساليب جديدة لتحذير المدنيين من البراميل المتفجرة قبل أن تلقيها طائرات الأسد على المناطق المحررة .

يقول الناشط الإعلامي سيف أبو يزن ( من مدينة تلبيسة في ريف حمص الشمالي ) ” لمرآة سوريا ” : بعد أن تعلن المراصد عن إقلاع الطيران المروحي تقوم بالتنسيق مع غرف العمليات بتحذير الأهالي عبر المساجد وصفارات الإنذار ، حيث يهرع معظم الأهالي بعدها إلى ملاجئ كبيرة معدة مسبقاً للاحتماء من الغارات المحتملة ، وتتحول المدينة إلى مدينة أشباح خالية من أي تحرك سوى لفرق الإسعاف والدفاع المدني .

ويمضي أبو يزن في وصف حالة الرعب التي تنتاب الأهالي في تلك اللحظات بقوله : عندما يسمع الأهالي هدير الطائرة عند دخولها أجواء مدينتنا ، يتوجهون مسرعين إما إلى الأقبية أو إلى الأدوار السفلية في المنازل التي تحتوي على عدة طوابق وعلامات الخوف والرهبة مرسومة على وجههم وهم ينظرون إلى الأعلى باحثين عن مكان الطائرة وكأن الموت سيهبط عليهم من السماء ، مضيفاً : إن مشهد النزوح المؤقت هذا يتكرر بشكل يومي تقريباً ، فنرى نساءً وشيوخاً وأطفالاً يحملون قليلاً من الأمتعة والحاجات الضرورية متجهين نحو الملاجئ بمجرد إعلان المراصد عن إقلاع طيران البراميل الأسدي ودوي صفارات الإنذار .

ويضيف : وثقنا كنشطاء إعلاميين في المكتب الإعلامي لمدينة تلبيسة أعداد البراميل الملقاة من الطيران المروحي على المدينة والمزارع المحيطة بها ، وقد بلغ عدد البراميل خلال الربع الأول من العام الحالي ( 56 برميلاً ) أدت إلى استشهاد ( 44 مدنيّاً ) بينهم ثلاث نساء وتسعة أطفال .

من جهتها تقول أم محمد ( من سكان مدينة الرستن ) : نعيش حالة من الرعب والخوف عند سماعنا لصوت هدير الطائرات المروحية ، وتستطيع ببساطة أن تقرأ من وجوه الأهالي أن الموت يحوم فوق رؤوسهم قادماً من السماء على هيئة برميل . وتختم حديثها ” لمرآة سوريا ” بقولها : على الرغم من قسوة الشتاء وصعوبة تأمين مواد التدفئة إلا أننا أصبحنا نفضل أن يبقى الجو بارداً ماطراً طوال فترات السنة ، الأمر الذي يمنع تحليق الطيران وما يجلبه معه من موتٍ ودمار .

أما الشاب أبو المجد التلاوي ( من سكان ريف حمص الشمالي ) فيقول : في الفترة الأخيرة أصبحت الشمس والجو اللطيف واليوم المشرق نذير شؤم للأهالي لأنهم يعلمون جيداً أنه مناسب لتحليق الطيران ، فترى كثيراً من الأهالي يسارعون بالخروج من المدينة باتجاه المزارع والمناطق المحيطة بنا مع عائلاتهم ليقضوا اليوم حتى المساء خوفاً من الطيران ثم يعودوا. ويتابع قائلاً : عندما يعلن المرصد عن دخول مروحيّة أجواء المنطقة تبدأ حالة من الذعر والخوف والهلع الشديد تسيطر على الأهالي ، حيث ترى الأم تركض في الشارع ممسكة يد ابنها لتأوي به إلى أقرب منزل ظناً منها أنه سيحميه من براميل الحقد والموت ، وترى في وجوه الناس المصفرّة نظرة ترقبّ ممزوجة بالخوف من المجهول لأن البرميل لا يميّز بين مدني وعسكري أو رضيع وكهل .. ترى صراخ الأمهات والآباء يملأ المكان طالبين من أبنائهم إخلاء الشوارع والدخول للمنازل ، وما هي إلا لحظات حتى يعلن المرصد أن الطيران نفّذ ، فيعمّ الصمت والترقّب أرجاء المكان ممزوجاً باصفرار في الوجه وتسارع في نبضات القلب بانتظار سقوط البرميل لأن الجميع يعلم أنه مع لحظة سقوطه ستبدأ قصّة جديدة من الموت والألم سينتج عنها مزيداً من الأطفال اليتامى والنساء الأرامل والأطراف المبتورة

أضف تعليق