ربما يكون الاعتقال الذي يمارسه النظام السوري ضد المدنيين من أشد وأقسى أنواع الاعتقالات التي تجري في دول العالم كلها..
في سوريا اليوم مئات الآلاف من المعتقلين، منهم الآلاف قضوا تحت التعذيب، ومنهم الآلاف لا أحد يعرف عن مصيرهم شيئاً.. كل ذلك يجري على مسمع ومرأى من دول العالم ومنظماته الإنسانية..
ومن الطبيعي أن يكون هناك آلاف الحكايات التي يمكن أن يرصدها المتابع، وكل حكاية تروي مأساة معتقل..
وهذه إحدى الحكايات كما ينقلها مراسلنا في الغوطة الغربية، حيث التقى مع المعتقل السابق ” ثامر ” بعد رحلة طويلة من العذاب المرير:
يقول ” ثامر”: اعتُقلت في دمشق، وتم اقتيادي الى الفرع 215 ، ثم وضعوني في زنزانة جماعية تحت الأرض لا تدخل اليها الشمس إطلاقاً، طولها متران وعرضها كذلك، وعدد المعتقلين المحشورين فيها 20 معتقلاً، لا يستطيع أحدهم التمدد، ولو قليلاً، بل يتناوبون في نومهم بحيث يلتف أحدهم على أقدام الاّخر..
ويضيف ” ثامر ” وهو يسرد حكايته في معتقلات النظام: بقيت 15 يوماً على هذا الوضع، وبعدها، تم اقتيادي إلى غرفة التحقيق.. وكما علمت، يقول ” ثامر “، كان اسم المحقق المسؤول ” سومر “، وهو معروف بسوء سمعته داخل الفرع، وقسوة ما يمارسه من تعذيب..
ثم يتابع ” ثامر ” بنبرة مؤلمة: قاموا بتقييد يديّ ورجليّ، وعلقوا القدمين بحبل مربوط ببكرة ورفعوني إلى الأعلى، بحيث أصبح رأسي إلى الأسفل ورجلاي إلى الأعلى، وبقيتُ على هذه الحالة مدة طويلة، ربما ساعة أو أكثر، لا أدري، وهم يحاولون أن ينتزعوا مني أي اعتراف بأي شيء، سواء فعلته أم لم أفعله، المهم أنهم يريدون اعترافات من المعتقل، وبعدها يمكن أن يقوموا بإنزاله من هذه الوضعية التي تسبب في كثير من الأحيان شللاً في بعض الأطراف وتشويهاً في العامود الفقري والمفاصل، مع ما يسببه ذلك من آلام لا توصف..
ولدى سؤال ” ثامر” عن ممارسة التعذيب، وهو في هذه الوضعية، أجاب: مباشرة قاموا بتعذيبي بشكل لا يطاق، فالضرب الشديد يطال كل أنحاء جسدي.. كان المحقق يتهمني بمراقبة عناصر الجيش في شوارع دمشق, وإنني أتعامل مع المسلحين “.. ومع ذلك، كما يقول ” ثامر ” لم أعترف بشيء لم أفعله، فيسألني المحقق: اذكر لي الأشخاص الذين تعرفهم ممن يتعاملون مع ” الإرهابيين ” ، فلم أجبه على سؤاله، لأنني لا أعرف أحداً “..
ويذكر لنا ” ثامر ” أن البعض يُغمى عليهم أثناء ” شَبْحِ ” أجسادهم إلى الأعلى، حيث الرأس إلى الأسفل والقدمان إلى الأعلى، مع ممارسة التعذيب ضدهم، وهم في هذه الوضعية القاسية، ولا يتم إنزالهم على الأرض أحياناً إلا بعد أن يمضي من الوقت نصف ساعة وأكثر، وهم في حالة من الإغماء التام..
وكما يفيد ” ثامر ” أن المحققين في المعتقل يعيّنون أحد المعتقلين ” شاويشاً ” في كل زنزانة من الزنزانات، ويتم اختيارهم عادة من ضعاف النفوس والانتهازيين، ويُطلب منهم جمْعُ المعلومات عن المعتقلين.. وأحياناً يقوم الشاويش بضرب المعتقلين بنفسه، بحسب الأوامر التي تأتيه من مسؤولي المعتقل، مع أنه معتقل مثلهم.. ويخبرنا ” ثامر ” أن بعض المعتقلين يموتون تحت التعذيب, والبعض نجدهم ميتين عند الصباح ، بسبب الجوع والتعذيب والأمراض التي تنتشر في المعتقل، والناتجة عن الرطوبة الأوساخ وغير ذلك من الأسباب، ومن يستطيع التحمل ويبقى حياً، يظل يعيش في حالة من اليأس القاتل، مع بصيص ضوء في نفسه بالفرج القريب “..
وأخيراً يختم ” ثامر حكايته باختصار: بقيت على هذه الحال أربعة أشهر في المعتقل، بعدها قام المحقق المسؤول عني بتحويلي الى الشرطة العسكرية، ومن هناك رحّلوني الى إحدى القطع العسكرية، لأبدأ، مكرهاً، حياةً جديدة في جيش النظام، وبقيت ثمانية أشهر، وأنا أخدم في إحدى القطعات العسكرية في درعا، حتى سمحت له الظروف بالانشقاق من جيش ذلك النظام..
ثم ينهي ” ثامر ” حديثه بقوله: هذه حكايتي، وهذا بعض ما يعانيه المعتقلون في سجون النظام السوري..