الهلال الأحمر السوري والفساد الإغاثي في الداخل السوري

ملايين السوريين أصبحوا مشردين لاجئين في دول العالم، وفي الداخل السوري أيضاً، والأغلب الأعم منهم يعتمد في حياته المعيشية على المعونات الإغاثية المقررة من الأمم المتحدة، ومن الجمعيات الخيرية.. والتوزيع يوكل إلى جمعيات وأشخاص بالعشرات، بل بالمئات.. وبما أن الناس ليعيشون في أجواء مضطربة وغير طبيعية، فقد يحل الفساد في هذه الجهة الإغاثية أو تلك، وتقل هنا وتكثر هناك..
ويزداد الفساد الإغاثي في الداخل السوري أكثر بكثير مما هو في الخارج، نظراً لفساد النظام، وانتشار الفوضى والمحسوبيات والمصالح المتبادلة بين المفسدين من الأدنى حتى الأعلى..
من ذلك على سبيل المثال ما يجري في مدينة الكسوة، فمن المعروف أن الكسوة تضم عشرات آلاف النازحين من مناطق متعددة كداريا والقدم ودمشق ودرعا وحمص، وهؤلاء النازحون لهم حصصهم الإغاثية التي من المفترض أن توزع بإشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري..

ويفيد مراسل ” مرآة سوريا ” في الغوطة الغربية أنه يأتي الى مدينة الكسوة آلاف الوجبات الغذائية من قبل الهلال الاحمر والجمعيات الخيرية، والتي تحتوي على الطحين والأرز والسكر والزيت والبرغل وعلب التمر وغير ذلك..
وبحسب المراسل فإن المشرفين على توزيع هذه الوجبات لا يقومون بواجباتهم الإنسانية المطلوبة، وإنما يلجؤون إلى الغش والاحتيال، حيث يقومون بتبديل أكياس الأرز الروسي برز هندي، ثم يوزعونه على النازحين في البلدة.. كما أن مستودعات اللجان الإغاثية مليئة بمواد تموينية كثيرة، ولكنهم يكدّسونه في المستودعات لبيعه عندما تسنح لهم الفرصة بذلك، وإذا حدث وتمت مراقبة المستودعات في فترات زمنية متباعدة جداً، عندئذ يتم توزيعه، ولكن بعد انتهاء مدة صلاحيته المقررة..

ويقول المراسل: منذ يومين قام المشرفون على مستودعات التمر بتوزيعه على النازحين بعد أن فشلوا ببيع معظمه للتجار المتخصصون، وبعد أن وصلتهم طرود جديدة، ولذلك تخلصوا من الكميات القديمة بتوزيعها على الجميع، وأغلب تلك الكميات كانت فاسدة بسبب تخزينها لفترات طويلة.. كذلك فعل المسؤولون عن مستودعات الطحين، حيث يبيعون كميات منه إلى التجار، وما يتبقى منه، يقومون بتوزيع النوع الثاني من الطحين على أنه نوع أول، وبعد ذلك يتم توزيع ذلك الطحين على الأهالي قبل انتهاء مدة صلاحيته بفترة قصيرة..

ويذكر المراسل أن الاهالي المدنيين يبيعون أكياس الأرز الهندي والطحين والبرغل والعدس الى تجار مختصين، أُطلق عليهم ” تجار الوجبات ” بسبب رداءة تلك المواد الغذائية، والتجار بدورهم يقومون ببيعه الى المعالف أو المزارعين كعلف لحيواناتهم..

وقد أجرى المراسل عدداً من اللقاءات مع بعض النازحين إلى مدينة الكسوة، ومنهم أبو علاء الديراني، وهو من أهالي مدينة داريا الذين نزحوا الى مدينة الكسوة، فأفاد قائلاً: الوجبة الغذائية التي نستلمها مؤلفة من 6 علب فول وكيس سكر، وزنه 5 كيلو غرام، وكيس عدس 5 كيلو، وكيس برغل، وزنه كيلوغرام واحد، و5 علب زيت.. ويقول أبو علاء: جميع هذه المحتويات يتم بيعها لـ ” تجار الوجبات ” الذين باتوا يملؤون المدينة.. أما كميات السكر والزيت فنحتفظ بها لأنفسنا.. ويضيف أبو علاء، مثل هذه الوجبة يتم توزيعها على النازحين كل شهرين، وقيمتها المادية 1800 ليرة سوريا.. أي ثمن وجبتي غداء لعائلة واحدة “..

كما أجرى المراسل لقاء آخر بعد توزيع التمور مع أبو نبيل، وهو نازح من حي القدم بدمشق، حيث قال بعد أن لوّح بعلبة التمر التي في يده: أنا ذاهب لبيع علبة التمر قبل أن أدخلها إلى منزلي بسبب انتهاء صلاحيتها وكسادها في المستودعات “.. ثم ابتسم بمرارة وقال بعفوية: سعرها 275 ليرة.. أحسن من لا شيء.. يعني بشتري شيء تاني للأطفال “..

أضف تعليق