اتسم الإعلام المصري في الفترة التي تلت الانقلاب العسكري على الرئيس المعزول محمد مرسي بالعديد من “الشطحات” ذات العيار الثقيل لتلميع صورة المشير عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب، حيث أسبغ ذلك الاعلام على الرجل صفات خطيرة رفعته لدرجات الأنبياء والرسل، كما رويت القصص عن بطولاته ومعاركه الوهمية التي لم تكن قصة الهجوم على الأسطول الأمريكي السادس وأسر الجنود الأمريكين إلا واحدة منها.
وفي سياق تغطية الشأن السوري، تبنى إعلام “السيسي” وجهة نظر نظام الأسد، فجاءت تغطيته لهذا الشأن في كثير من محطاتها بالنكهة “السيساوية” الخاصة من حيث “الشطحات” والجهل بالحدث والابتعاد عن المهنية.
ففي بداية العام الجاري نشرت صحيفة أخبار اليوم المصرية تقريراً عن مدينة حمص ، حيث قدم كاتب التقرير “خالد رزق” لتقريره بالحديث عن “المسلحين التكفيريين” الذين دمروا البلاد انتقاماً من أهلها الذين رفضوا تسليمها لهم على حد وصف الكاتب.
وبعد رحلته من دمشق إلى حمص والتي أمن طريقها “الجيش العربي السوري” كما وصفه، نقل المراسل مشاهداته في حمص حيث تحدث عن حجم الدمار في حي “الخالدية” والذي وصفه بأنه كان قبل تدميره على يد “التكفيريين” ..“قبلة لكل زوار المدينة فهو حي للنزهة والتسوق”.. في حين أن كل سكان حمص يعلمون أن حي الخالدية هو حي شعبي تقطنه الطبقات المتوسطة والفقيرة وليس له علاقة بأي نوع من أنواع النزهة والتسوق خلافاً لما قاله المراسل العتيد.
ثم قدم المراسل سرداً شاعرياً شبه فيها حمص بالسويس أيام حرب 67 في تشبيه للثوار بالصهاينة الذين دمروا المدينة وقتها، ليحكى بعدها قصة “الحراك” كما ادعى أنه سمعها من كل من قابلهم من أهل حمص، حيث أنه “لم تكن هناك مطالب بإسقاط للنظام تتبناها الجموع وإنما نداءات الاصلاح والتغيير السلمي” .أما إسقاط النظام فتبناه على حد وصف المراسل “عناصر السلفيين والأخوان المسلمون” فقط.
وعن الثوار فقد أسماهم التقرير بـ”المسلحين” ، ووصفهم بأنهم كانوا يتحرشون بأهالي حمص البسطاء ويقومون باختطافهم وفرض الأتاوات عليهم.
وفي دليل واضح على مقدار فهم هذا المراسل ومعرفته بأحياء حمص التي يقول أنه زارها وتعرف عليها فإنه أسمى حي باب هود الشهير بحي “باب الهنود” كما أسمى حي الوعر بحي “الوعرة” والذي قال أن من يسيطرون عليه “لايعرفون الله ولا يعترون لحياة البشر قيمة” دون أن يشرح معنى كلمة “يعترون”، في حين أن بلدة “تلبيسة” جاء اسمها في هذا التقرير “تلبيس.”
انتقل بعدها التقرير لتغطية حادثة الانفجار الذي أودى بحياة الأطفال في مدرسة “عكرمة المخزومي” والتي تقع في حي عكرمة ذي الأغلبية العلوية، حيث حمل المراسل أولئك “التكفيريين” مسؤولية الحادث والذي عزاه إلى حصول تلك المدرسة على جائزة أفضل مدرسة مجانية في العالم.
ومن المعروف أن رواية نظام الأسد حول الحادث والتي تبناها مراسل أخبار اليوم حول قيام “انتحاريين” بتفجير نفسيهما في المدرسة لم يقدم عليها النظام دليلاً واحداً في حين ظهرت عدة دلائل على أن من قام بالعملية وأدخل السيارات المفخخة إلى تلك المنطقة “العلوية” المحصنة أمنياً بشدة هي ميليشات شيعية كانت على خلاف مع العلويين حول عدة ملفات تتعلق بإدارة الملف الأمني في مدينة حمص.
وختم المراسل تقريره المطول بمقابلة مع محافظ حمص “طلال البرازي” حيث ظهر من سياق تحرير المقالة استغراب كاتبها من فكرة المصالحات التي قال محافظ حمص أن الدولة تتبناها لمعالجة الملف الأمني في المحافظة.
كان ذلك التقرير المليء بالمغالطات المهنية والصحفية مثالاً بسيطاً عن تلميع إعلام “السيسي” لنظام الأسد وإظهار جيشه بمظهر الجيش الوطني الحامي للبلاد والعباد، ورغم كل تلك المغالطات فإنه ليس من المستغرب صدورها من إعلام ادعى يوماً أن المقاومة الفلسطينية حفرت نفقاً من غزة إلى القاهرة لتقوم بعمليات إرهابية ضد مصر وشعبها!