من الناحية التاريخية تعد مدينة حلب المنقسمة حالياً لشطرين ” المحرر و المحتل ” إحدى أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، و من الناحية التاريخية أيضاً تعاقبت على المدينة عدة حضارات عريقة منها ” الآرامية والآشورية والفارسية والهيلينية والرومانية والبيزنطية ” و أخيراً ” العربية الإسلامية ” بعصورها المزدهرة من العصر ” الأموي و العباسي و المماليك و نهايةً بالعصر العثماني ” .
و للتاريخ أيضاً فإن مدينة حلب القديمة سجلت بالسجلات الأثرية على لائحة التراث العالمي و تم و ضع اشارات على الصحف العقارية تبين ان العقار ” أثري ” ولا يجوز ” هدمه او تغيير معالمه أو مواصفاته ” إلا بظروف استثنائية .
من ناحية أخرى تختلف الروايات حول أعداد الأماكن الأثرية في حلب القديمة، و لكن الكل يعترف بأن قلعة حلب من أقدم القلاع في التاريخ و أن ” مساجدها و أبواها و مدارسها و أسواقها ” من أعرق الأماكن الأثرية في العالم، والتي كانت مقصداً للسياح و الزوار من مختلف أصقاع العالم حتى عام 2011م تاريخ اندلاع الثورة السورية.
زار موقع ” مرآة سوريا ” أحد أهم المعالم الأثرية في حلب القديمة مشفى ” البيمارستان الأرغوني ” هو مشفى متكامل تم بناؤه عام 1354م في العهد المملوكي ، و كان مخصصاً للأمراض النفسية و متحفاً للطب و العلوم عند العرب، و بسبب قربه من خط النار في قطاع قلعة حلب و وجوده في منطقة سكنية يقطنها حوالي ” 1250 ” عائلة ” معظمهم من النازحين ” تم استخدامه مقراً ” لمجلس حي الجلوم و توابعه الإغاثية و الخدمية ” و سخّر لخدمة المدنيين و توزيع السلل الإغاثية و المساعدات الإنسانية التي تصلهم من الجمعيات الخيرية .
أبو عبدو كسحة ” رئيس مجلس حي الجلوم ” السابق و أحد المهتمون في الحفاظ على الآثار و الاعتناء بها، يقول ” المشفى يعود للعهد المملوكي و كان يحتضن مرضى الأمراض العقلية و كانت تعالج فيه الحالات المستعصية و يوجد بدخله غرف خاصة للمرضى تطل على ” نافورة مياه ” يستمع المرضى ل” خرير المياه العذبة ” مما يخفف من آلامهم و يساهم في علاجهم ” .
و يضيف أبو عبدو : نحاول الحفاظ على المكان الأثري الذي كان يضم مكتبة و أدوات طبية تم وضعها في أماكن أمينة للحفاظ عليها من السرقة و النهب، و يتم في المكان إجراء بعض الندوات الثقافية و الأعراس و الفعاليات الثقافية إضافةً لكونه مجلس حي يقدم المساعدات للناس، ونسعى لترميمه كونه كان قيد الترميم قبل اندلاع الثورة .
و لأن الاهتمام بالآثار و رعايتها يتطلب جهوداً جبارة و مختصين في حماية الآثار التي تفتقدها المناطق المحررة بمدينة حلب حالياً فإن ” أبو عبدو ” ورفاقه لا يبخلون جهداً في الحفاظ على مقتنيات مشفى ” البيمارستان الأرغوني ” حيث سقطت ” ثريا من الفضة ” بسبب القصف الهمجي و سقوط البراميل المتفجرة على المناطق المأهولة بالسكان فقاموا بجمعها و الحفاظ عليها داخل المشفى و الحفاظ على باقي أثاث المشفى، حتى تضع الحرب أوزارها و تعود فرق الترميم و الصيانة لعملها كما كانت في السابق .
في هذا المجال يخبرنا ” أبو عبدو ” أن ورشات العمل كانت قائمة و بدعم من الحكومة التركية للحافظ على آثار المدينة القديمة، و منها هذا المشفى العريق حيث توجد لافتة بداخل المشفى كتب عليها التالي ” مشروع تأهيل ” البيمارستان الأرغوني ” كمتحف للطب و العلوم عند العرب , و تضيف اللافتة ” بتمويل من هيئة تخطيط الدولة في سوريا و في إطار برنامج التعاون الإقليمي ” السوري – التركي ” تم تمويل مشروع ” البيمارستان الأرغوني ” . و لم تحمل اللافتة تاريخ بدء أو انتهاء المشروع .
الحفاظ على آثار حلب القديمة واجب أخلاقي و إنساني لأنها إرث حضاري يدل على تاريخينا و إرث أجدادنا العظماء الذين كانوا يهتمون بكافة فئات الشعب من المرضى ” صحياً حتى المرضى نفسياً ” و الحفاظ على الآثار و رعايتها لا يقل أهمية من الحفاظ على الإنسان و رعايته التي قد أهدرت في زمن الثورات و الحروب الحالية التي تعصف بالبلاد و العباد .