لم يشكل فيلق الشام استثناء عن معظم الفصائل العسكرية الكبيرة في سوريا من حيث تأثر مكوناته بالمناطق والمحافظات التي تنتمي إليها، ففي حين تقاتل مكوناته في الشمال جنباً إلى جنب مع جبهة النصرة وغيرها ضمن جيش الفتح فقد كان له في حمص تأثير وصفه معظم نشطاء الحراك الثوري بشقه العسكري والمدني بالتدميري على العمل العسكري في المحافظة التي أعاد النظام السيطرة على معظم مدنها وأريافها.
ومن المعروف أن فيلق الشام هو الإسم الجديد لما كان يسمى بـ “هيئة حماية المدنيين” التي تشكلت في العام الأول للثورة بواجهة من بعض الشخصيات الإخوانية والتي تصف نفسها بالمستقلة، وبدعم من بعض الشخصيات المالية والسياسية ذات العلاقات الواسعة مع العديد من دول المنطقة والعالم.
يتمتع الفيلق بدعم مالي وتسليحي لا محدود مكنه من تعويض النقص العددي الناجم عن الانشقاق المستمر لبعض فصائله، ولممثليه في الخارج (نذير الحكيم، هيثم رحمة ،منذر سراس) علاقات قوية جداً مع معظم الدول حيث يكاد الفيلق أن يكون الفصيل الوحيد الذي يحتفظ مكتبه السياسي بعلاقات ممتازة مع كل من السعودية وتركيا وقطر وفرنسا والولايات المتحدة وانكلترا على حد سواء.
الفيلق وحمص :
رغم انتماء معظم أفراد دائرة القرار في فيلق الشام لمحافظة حمص، فإن الفيلق لم يستطع (أو لم يكن يريد) خلال سنوات الثورة القيام بعمل عسكري ضخم يغير الواقع الأليم الذي تعيشه المحافظة ، بل على العكس فإن العديد من نشطاء المدينة يتهمون قيادات الفيلق بتجميد الوضع في حمص ضمن صفقة دولية تقتضي بالإبقاء على المحافظة ضمن مناطق نفوذ نظام الأسد حتى الوصول إلى صيغة الحل النهائي التي يريدها المجتمع الدولي، ومن المعروف أن أبناء حمص المشهورين بحبهم للفكاهة حتى في أقسى الظروف كانوا يسمون هيئة حماية المدنيين بـ (هيئة حماية العلويين) احتجاجاً على سياسات الفيلق والذي دعم بشكل مستمر فصائل ومجموعات كان يصفها المدنيون في المناطق المحررة بالعصابات التي لا تريد سوى الاستفادة من سطوة المال والسلاح.
ويستشهد أصحاب هذا النقد اللاذع لفيلق الشام أو لـ (هيئة حماية المدنيين) بالفصائل التي تنتمي للفيلق فيما تبقى من حمص اليوم، ففي ريف حمص الشمالي شكل لواء أسود الإسلام بقيادة رافد طه المكون الأساسي لفيلق الشام حيث تم إمداده على مدى سنوات بعشرات الأطنان من الذخيرة وبمئات الآلاف من الدولارات والتي تحولت مؤخراً لقتال بقية الفصائل بعدما بايع لواء أسود الإسلام تنظيم الدولة سراً منذ شهور وسط إنكار قيادات الفيلق خارج سوريا لتلك البيعة، لتظهر حقيقة الأمر منذ أيام عندما أعلن هذا اللواء الحرب باسم تنظيم الدولة على (الصحوات والمرتدين) في منطقة الريف الشمالي.
أما في حي الوعر المحاصر، فتشكل كتائب الجهاد الإسلامي بقيادة أبو حيدر حاكمي (وهو قريب لأكبر ممولي فيلق الشام) تشكل تلك الكتائب واجهة فيلق الشام في حمص المدينة، ورغم أن هذه الكتائب تضم قرابة الألف مقاتل مع ثقل تسليحي ومالي ضخم جداً فإن دورها في الوعر اقتصر بحسب العديد من المصادر على (البلطجة) والاستعراض فضلاً عن المحاولات المستمرة لإيقاف الجبهات ضد النظام والاعتقال للعديد من نشطاء العمل المدني والسياسي،
الفيلق وعاصفة الحزم:
رغم كون فيلق الشام محسوباً بشكل رئيسي على محور (تركيا-قطر-الإخوان المسلمين)، فإن علاقات قيادات الفيلق كما أوردنا اتصفت بالدفء المستمر مع السعودية وممثليها في المعارضة السورية، لكن أحداً لم يكن يتوقع أن يصل هذا الدفء لدرجة إصدار فيلق الشام لبيان يعلن فيه عن استعداده لتقديم ألفي مقاتل للقتال في اليمن ضد الحوثيين دفاعاً عن المملكة العربية السعودية!!
وقد أثار هذا البيان موجة سخط وسخرية في صفوف نشطاء الثورة السورية حيث تحدى بعضهم الفيلق أن يحشد ألفي مقاتل على كامل الأراضي السورية فضلاً عن أن يرسل مثل هذا العدد خارج سوريا، وحول هذا الشأن أفادت مصادر ميدانية لموقع مرآة سوريا أن فيلق الشام لم يستطع حشد أكثر من 300 مقاتل في معارك تحرير إدلب وجسر الشغور التي شارك فيها أكثر من 20 ألف مقاتل في حين عوض الفيلق عن نقصه العددي بالمساهمة بالعتاد والذخائر المتوفرة لديه بكثرة، وعلى صعيد آخر فقد اتهم النشطاء الفيلق بممارسة النفاق السياسي الذي يجيده (الإخوان المسلمون) للحصول على مكاسب مادية وسياسية في الوقت الذي تحتاج فيه جبهات سوريا للدعم بالمقاتلين والعتاد في ظل تغول نظام الأسد والميليشيات الإيرانية المساندة له
هيئة حماية المدنيين..(باقية) :
رغم الضعف القتالي لفيلق الشام (هيئة حماية المدنيين) ، ورغم جملة الأخطاء الكبيرة التي وقع بها في سوريا عموماً وفي حمص خصوصاً، فإن العديد من المراقبين يؤكدون أن الفيلق هو من أحد أهم التشكيلات العسكرية السياسية بنظر المجتمع الدولي ودول الإقليم، فقياداته الإخوانية تتصف بـ(البراغماتية) التي يفضلها العالم على بقية التشكيلات، كما أن المكوث الطويل لتلك القيادات على مدى عشرات السنوات في دول الخليج وأوروبا جعلت علاقاتهم مع مختلف مسؤولي تلك الدول علاقات تتصف بالاستمرارية والثقة المتبادلة، الأمر الذي يفسر استحواذ الفيلق على أكبر حصص الدعم المادي والعسكري على مدى عمر الثورة التي دخلت عامها الخامس.