جرى الكثير لشعب سوريا وأطفالها خلال السنوات الماضية من عمر الحرب الطاحنة، فالمآسي والرعب والخوف ومشاهد القتل والدمار لا تُعدّ ولا تُحصى، وما عاناه الشعب السوري داخل البلاد وخارجها في بلاد الشتات، لم يعانه أي شعب آخر في العالم بحسب العديد من المنظمات الدولية..
ومن الطبيعي في مثل هذه الحالات المؤلمة أن يؤدي ذلك إلى إصابة العديد، لاسيما من اللاجئين، بأمراض نفسية متنوعة، وإذا ما أخذنا المقيمين منهم في بلدة عرسال اللبنانية، فلربما تكون الحالات أشد وطأة وأكثر انتشاراً من أية أمكنة أخرى، نظراً لأن اللاجئ السوري هناك، ولا سيما الأطفال منهم لا يزالون يعيشون بشكل ما أجواء الحرب ويعانون من عدم الشعور بالأمان، كما كان الحال وهم داخل سوريا، حيث شاهدوا الكثير من القصف والدمار والموت..
ونظراً لأهمية هذا الموضوع وانعكاسه على بنية المجتمع السوري مستقبلاً، ولمعرفة الحالات المرضية المتولّدة في بلدة عرسال، نستعرض جوانب من الدراسة الميدانية التي قام بها مدير المعهد العالمي للتنمية النفسية والاجتماعية (فرع عرسال) الاستاذ وليد عبد الإله .. فبحسب التقرير الذي وصلنا من مراسل المرآة في لبنان، يقول عبد الإله في دراسته:
من خلال المسح الميداني الذي أجريناه في منطقة عرسال على اللاجئين السوريين في المخيمات ننوه أولاً إلى أن من أهم الاحتياجات النفسية للفرد هو الشعور بالأمان، وهذا الشعور شبه مفقود عند اللاجئين في عموم أنحاء لبنان.. إلا أن للمقيمين في عرسال خصوصية مختلفة.. فالوضع السياسي والأمني المتأزم وغير المستقر ينعكس مباشرة عليهم، فبين الحين والآخر يتعرض اللاجئون لأشكال متعددة من الخوف والرعب نتيجة المعارك التي تدور بالقرب منهم أو نتيجة القصف أو الاعتقال، وكذلك الإذلال الاجتماعي الذي يعانون منه بشكل متكرر، إضافة إلى أن معظم أولئك اللاجئين فقدوا أوراقهم الثبوتية عند نزوحهم من الأراضي السورية، وبالتالي فهم غير قادرين على التنقل أو الخروج من عرسال.. لذلك فإنهم في هذه المنطقة يعيشون حالة من الذعر والخوف والقلق والترقب، إضافة إلى حاجتهم للتكيف مع ظروفهم كلاجئين “..
ويضيف مدير المعهد قائلاً: نتيجة لما تقدم، فقد بيّنا في الدراسة، أن الشباب يغلب عليهم الشعور بالحسرة والحزن والملل، ويعاني البعض منهم من مشكلات مزاجية حادة وكوابيس متكررة، خاصة عند الشباب الذين تعرضوا للاعتقال.. وبالنسبة للمسنين فقد غلب عليهم الشعور بالملل الشديد والحسرة والأرق والهمود النفسي والحركي.. أما بالنسبة للنساء فإن لديهن مشكلات في النوم ومشكلات مزاجية حادة وتشنجات عصبية وكوابيس متكررة وعدم العناية بالذات والملل وتتشت في الأفكار..
وعن معاناة الطفل السوري في عرسال، يقول الدارس: لاحظنا من خلال نتائج المسح الميداني أن النسبة الأكبر من الأطفال يعانون من التبول اللاإرادي والقلق والخوف واضطرابات في النطق، كما تبين لنا أن الأهل لم يعودوا يهتمون بتعليم أطفالهم، وهذا عائد للظروف القاسية التي مروا ويمرون بها والحالة النفسية التي يعانون منها، إضافة إلى عدم توفر المدارس الكافية لاستيعاب أعداد الأطفال أو الطلاب ” .. وبيّن عبد الإله أن الطفل اللاجئ بحاجة للشعور بالاهتمام والحب الذي فقده بسبب انشغال أهله عنه.. كما هو بحاجة أيضاً لإعادة تأهيله ووضعه في المسار السوي الملائم لمرحلته العمرية “..
وعن نشاط المركز يذكر عبدالإله ” لدينا برامج علاجية نعمل عليها، منها العلاج من الخوف، وعلاج التبول اللاإرادي، ومنها برنامج دعم الأمهات، ودعم الجرحى، وبرنامج تنمية مهارات الإدارة الذاتية للأطفال”..
وعن المعالجات من هذه الأمراض النفسية أفاد عبدالإله أنها تتم بحسب الحاجة، كما هو الحال عند معاناة الأطفال من مشاهدة العنف كرؤية الجثث ومشاهدة القصف أو فقدان أحد أفراد العائلة، أو في حالات الخوف الشديدة أو الانطواء والعزلة أو الذين يعانون من العدوانية حيث يتم تحويلهم لجلسات علاجية فردية خاصة يقدمها المتخصصون..
وتضرب الدراسة مثالاً على ذلك بالطفلة ” مها ” التي عاشت ظروف الحرب في سوريا كاملة وبعد النزوح إلى عرسال رأت عساكر من الجيش اللبناني وهم يضربون والدها ويعذبونه أمام عينيها.
.
وبعد هذا الموقف أصبحت لديها حالة من الخوف الشديد والعزلة التامة والانطواء، فلم تعد تلعب مع أحد من صديقاتها..
وفي هذا الصدد قابل المراسل إحدى الأمهات في المركز، وهي والدة الطفل محمد، وعمره سبعة أعوام، فذكرت أن ابنها يعاني من التبول اللاإرادي منذ وجودهم في سوريا بعد أن أصبح يخاف من كل شيء.. من أصوات القذائف والرصاص ويخاف بشكل خاص من الطائرة.. “.. ثم تقول الأم بقلق: لا نعرف ما العمل لكي لا يخاف ابني فأنا خائفة أن تبقى هذه الحالة معه دائماً..”..
..