بعد فترة من التشويق الإعلامي طالعت قناة “سكاي نيوز” العربية -والتي تُبَث من دولة الإمارات العربية المتحدة- طالعت المشاهدين بتسجيلها الوثائقي الاستقصائي الأول “الزواج في زمن الحرب” والذي زعم ملاحقته لمأساة نساء سوريا في دول اللجوء.
لا نكشف سراً إن قلنا أن الفضائيات العربية تحولت -خصوصاً في سنوات الربيع العربي – إلى وزارات إعلام موازية للدول الداعمة لها، فالجزيرة تتحدث عن قطر ، والعربية تتحدث عن السعودية أو عن جناح مهم فيها على الأقل، أما في حالة دولة الإمارات فإن أسطولاً من القنوات الفضائية العربية أو المصرية أو المستعربة كـ “سكاي نيوز” مثلت اللسان الناطق لدولة الإمارات والذي ينطق بأكثر من “لغة سياسية” حسب ضرورات الواقع واصطفافات المشهد السياسي.
ولكن التقرير الذي أعدته سكاي نيوز عن “نساء سوريا” زمن الحرب شكل بحسب العديد من المراقبين للشأن الإعلامي سقطة مهنية وأخلاقية ظهرت فيها دوافع “صاحب المال” بشكل واضح أثر على السوية الفنية والإخراجية لمحطة تعد ميزانيتها بملايين الدولارات.
فالتقرير استهدف بالهجوم بشكل مبطن أعداء دولة الإمارات وهم : الإسلام والشرف والثورة السورية وتركيا جاعلاً من نساء سوريا ومعاناتهم مادةً لذلك الهجوم.
سوريات ولكن بلهجة لبنانية!
بدأ التقرير باستعراض مشكلة “مريم” في لبنان والتي زعم أن وضعها من حيث الاستغلال الجنسي “صورة” لـ “5 ملايين نازح سوري”، مريم السورية الناطقة بـ”اللبنانية” سمت حالتها التي تسبب بها “ شيخ” عن طريق منظمة “إسلامية” بـ “الدعارة الدينية” في ربط مقصود للمنظمات الخيرية الإسلامية بنشر الدعارة والزواج المؤقت.
جولة “سكاي نيوز” في لبنان تميزت بسقطات مهنية وموضوعية بارزة، فجميع الفتيات والسيدات اللاتي عرضهن التقرير على أساس خضوعهن للاستغلال الجنسي لم تتحدث واحدة منهن بلهجة حلب أو حمص أو دمشق التي زعم التقرير أن الفتيات جئن منها، بل تحدث الجميع باللهجة اللبنانية، حتى صحفي القناة الذي زُعم أنه مثّل دور “رجل أعمال خليجي” يريد الزواج من “فتاة سورية” تحدث اللهجة اللبنانية أمام وكيل الشيخ الذي تدبر له أمر زوجته السورية “المؤقتة”!
أما “القوّاد” أو بواب النادي الليلي الذي تحدثت إليه سكاي نيوز، فقال إن “الراقصات” السوريات “مطلوبات” أكثر من الأوكرانيات والروسيات حيث يصل سعر الواحدة منهن إلى 40 ألفاً، ثم لا يلبث هذا “القواد” أن يفقد أعصابه حزناً على “مأساة” السوريات فيغالب البكاء ويمتنع عن إتمام التصوير.
سقطات “سكاي نيوز” لم تتوقف عند هذا الحد، ففي مشهد مليء بـ “الأكشن” أثناء مداهمة لقوى الأمن اللبنانية لشبكة دعارة “سورية”، يقول “الضابط” اللبناني أن “70-80 بالمائة من السوريات يعملن في الدعارة” ثم يسهب في وصف انتشار الدعارة حين يقول أن “الرجل السوري يرسل زوجته من سوريا إلى لبنان لتعمل في الدعارة” ويضيف في وصفه لكيفية استغلال المرأة أن مستغل الفتيات يتصل بالزبون ليقول له: لقد أرسلت لك “بنت فرفورة” لتشغلها… في تعبير يكشف عن المستوى الأخلاقي والمهني لمعدي التقرير
و”الكومبارس” الذين استخدمهم لإعداده.
تركيا..هوس عداء الحكومة ينتقل لتغطية اللاجئين
أما في تركيا فقد حرص معدو التقرير على حشر عداوة دولة الإمارات مع الحكومة التركية في مأساة السوريين، فرغم عدم عرض التقرير لأي انتقاد للسلطات اللبنانية أو الأردنية مع الحالة المزرية التي يعيشها اللاجئون السوريون هناك، فقد افتتحت القناة جولتها في تركيا بالقول إنه “ليس للاجئين السوريين في تركيا أي حق في الحصول على بطاقة هوية أو التمتع بالحقوق الأخرى” ،حيث يعلم ملايين السوريين في تركيا كذب هذه الادعاءات سواء من ناحية إمكانية حصول السوريين على كل أنواع البطاقات التعريفية بالاضافة لحصولهم على الخدمات الأساسية من تعليم وطبابة مجانية من قبل الدولة التركية.
وعندما انتقلت القناة لتغطية موضوع “الاستغلال الجنسي” للسوريات في تركيا، فقد زعمت أن “مديري مخيمات اللاجئين الأتراك” يقومون بالتحرش باللاجئات دون أن تقدم أي دليل أو شهادة سوى لقاء مع شخصية مجهولة تتحدث اللغة الانكليزية بلكنة تشبه لكنة الهنود والباكستانيين الناطقين بتلك اللغة.
الأردن..وضعية الميت على المعالجة الحكومية للاجئين
وفي الأردن خصصت القناة جزءاً يسيراً للحديث عن الموضوع، حيث عرضت لمأساة “أبو أحمد” وهو مسن سوري يحتاج لإجراء عملية زرع شبكة قلبية ويريد تزويج ابنته القاصر مقابل علاجه، فيما تحدثت سيدتان عن تجربة زواجهما السريع مع ملاحظة تحدثهما أيضاً باللهجة الأردنية.
لا يستطيع أحد إنكار دور الحروب والفوضى في خلخلة النسيج الاجتماعي وانتشار الظواهر الشاذة في أي مجتمع، أما أن يتم تحويل مأساة شعب إلى مادة للمتاجرة السياسية وتصفية الحسابات مع الخصوم، أو تبني رواية نظام قتل شعبه ليقال لهذا الشعب إن هذا مصير كل من تسول له نفسه المطالبة بالحقوق أن تتحول نساؤه للدعارة، ثم أن تأتي هذه الإدعاءات على لسان وسيلة إعلامية تصدر من بلد “يقنن” الدعارة ويروجها لمواطنيه وزائريه على حد سواء، فهذا الأمر لن يراه ملايين السوريين الذين دمر بلادهم تشابك مصالح الدول الكبرى إلا قمة في “الدعارة” السياسية والإعلامية.