تمر على السوريين هذا اليوم ذكرى رحيل “مؤسس” نظام الأسد ، حافظ الأسد الرجل الأكثر جدلاً في المنطقة وربما في العالم والذي يستذكره قسم كبير جداً من السوريين اليوم باللعنات فيما يتحسر بعضهم الآخر عليه معتبرين رحيله خسارة للنظام الذي لم يستطع حتى اليوم القضاء على من خرجوا عن الطاعة العمياء والتي استمرت قرابة الأربعين عاماً.
في العاشر من حزيران عام 2000 استفاق السوريون على خبر لم يصدقوه، فأكثر من ثلثيهم في ذلك العام لم يعرفوا رئيساً سوى حافظ الأسد، وشدة القمع التي حكم بها الرجل البلاد وصورة الحاكم الأوحد المثالي التي رفع بها نفسه لمقام “الألوهية” جعلت تقبل الوعي السوري لموضوع “موت” حافظ الأسد صعباً للغاية.
صعد حافظ الأسد إلى الحكم بانقلاب عسكري عام 1970 سبقه تحضير طويل من قبل الطائفة العلوية لغزو الجيش والمخابرات ، كما سبق ذلك الانقلاب تسليم سلس للجولان لـ”العدو الصهيوني” كما كان الأسد الأب يصفه، ،ورافقته حاجة النظام الدولي آنذاك لسوريا مستقرة بعيدة عن الانقلابات السائدة حيث وجد ذلك النظام الدولي ضالته في حكم الطائفة والتي جربت منذ أيام الحملات الصليبية على الشرق وصولاً لمطالباتها للانتداب الفرنسي بالانفصال عن سوريا وتأييدها لتسليم فلسطين لليهود، كل تلك العوامل ساعدت “الأب القائد” على استلام السلطة مع ذكاء وانتهازية مكنته حتى من تصفية رفقاء دربه من العلويين والتحول رويداً رويداً من نظام الطائفة إلى نظام العائلة الطائفية.
استنسخ الأسد ديكورات “الاتحاد السوفياتي” اقتصادياً وإعلامياً واجتماعياً ليحول سوريا من بلد حيوي ذي اقتصاد حر وصناعة متطورة وإعلام طموح ومجتمع متحرك إلى مزرعة تحكمها وجهة نظر حافظ الأسد بشكل كامل لدرجة انعكاس “ذوقه” القبيح على كل ملامح المجتمع السوري.
ورغم أن حافظ الأسد كان تجسيداً بشرياً لـ”البراغماتية” السياسية، فإن الشيء الذي لم يتخل عنه في سياسته هو كونه “علوياً” محارباً لـ”السنة” ، ظهر ذلك على المستوى الداخلي منذ الأيام الأولى لحكمه عندما بدأ بتأسيس الإدارات الأمنية الجديدة على أساس طائفي بحت وجعل تعييناتها بيد “مجلس الملة العلوي”، ثم ظهر ذلك خارجياً في مساندته للثورة الخمينية عند قيامها ثم في حربها ضد شقيقه في البعثية “صدام حسين” ، ليتوج بعدها حافظ الأسد طائفيته في معالجته لأحداث الثمانينات وقمعه الرهيب للسوريين لتبدأ بعدها بشكل “رسمي” ولكن “صامت” علونة الدولة والمجتمع في سوريا
أعطي حافظ الأسد تفويضاً دولياً استثنائياً لحكم لبنان، وفي لبنان تحالف مع الجميع وقاتل الجميع لينشأ فيما بعد “مقاومة إسلامية” على هواه ماتزال تدافع عن ابنه حتى اليوم، وليورث اللبنانيين حقداً من شدة بطشه بهم مايزال اللاجئون السوريون في لبنان يتجرعون مره حتى اليوم.
رحل حافظ الأسد في بداية الألفية الثالثة جسداً ولكن منهج “القائد الملهم” مازال سارياً وكأنه موجود، فبعد أربع سنوات من انتفاضة الشعب السوري ضد نظام القمع مازالت الفروع الأمنية التي أسسها حافظ الأسد هي من تدير معركة الدهاء والقمع والسحل ضد السوريين، ومازال الجيش “العقائدي” الذي فصله حافظ الأسد على مقاس الحفاظ على كرسيه يدمر البلاد من شرقها إلى غربها، وما زالت إيران التي دعمها حافظ الأسد ضد العراق ترد الدين وتدعم ابنه الصغير الحاكم، ومازالت الولايات المتحدة التي فوضت حافظ الأسد بحكم سوريا وإدارة الملفات الأمنية في المنطقة تفوض ابنه بناء على الثقة بالوالد ونهجه.
وبالنظر إلى بنية النظام وكيف صنعه حافظ الأسد فإن من أكبر المغالطات اليوم النظر إلى بشار كحاكم فعلي استطاع إجبار كل العالم على مساعدته في القضاء على شعبه الثائر ضده، فمن يخطط وينفذ اليوم هم الرجال الذين رباهم أبوه والذين يحكمون وكأن “معلمهم” الأسد يحكم من قبره.