شكلت محافظة حمص بمدنها وأريافها حاضنة لمعظم الفعاليات المناهضة لحكم بشار الأسد منذ الأيام الأولى للثورة، ورغم خروج قسم كبير منها عن سيطرة النظام خلال العام الأول من الثورة، فقد تعرضت المعارضة فيها لانتكاسات قوية بدءاً بسقوط باباعمرو والقصير والأحياء المحاصرة والريف الغربي حيث لم يتبقى سوى الريف الشمالي وحي الوعر داخل المدينة كآخر قلاع للمعارضة المسلحة مع ماتعانيه هاتان المنطقتان من حصار خانق على كافة المستويات.
ورغم التقدم الملحوظ خلال الشهور الأخيرة للمعارضة المسلحة في عدة مناطق في سوريا، ظلت المناطق المحررة في حمص غائبة عن أي عمل عسكري حقيقي في ظل اتهامات وجهها نشطاء حمص للداعمين بتجاهل حمص و التواطؤ عليها أحياناً.
تشكل مناطق حمص عقدة مواصلات بين مختلف المناطق السورية، كما تضم في تعدادها السكاني عدداً كبيراً من “العلويين” الذين يقطنون في عدة أحياء داخل مركز المدينة بالاضافة إلى عدد كبير من القرى العلوية المتناثرة.
وضمن الحرص الغربي المستمر والمتواصل على “حماية الأقليات” يذهب العديد من المراقبين إلى أن تحرير حمص يعد من “الخطوط الحمراء” التي فرضها الأمريكيون على كل داعمي الثورة السورية وفي مقدمتهم تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية.
وتشير الدلائل الميدانية ومعطيات الواقع إلى صحة ذلك “التحليل”، حيث أن معظم التشكيلات الكبرى حتى الإسلامية منها وفي مقدمتها جبهة النصرة وحركة أحرار الشام ، تعاني ضعفاً في الكتائب والألوية التابعة لها في حمص في حين تمتلك قواتها في شمال سوريا وجنوبها أعداداً كبيرة من المقاتلين والعتاد بكل أنواعه.
وبحسب قيادي في حركة أحرار الشام في ريف حمص الشمالي طلب عدم ذكر اسمه، فإنهم لا يستطيعون تفسير هذا الأمر لمقاتليهم وخصوصاً عندما يرون عشرات الدبابات والعتاد النوعي مع “إخوانهم” في بقية المناطق، وعند سؤالنا له عن تفسير قيادة أحرار الشام المركزية لهذا الأمر فقد صرح لنا القيادي أنهم يتذرعون بصعوبة طريق الإمداد باتجاه مناطق حمص ولكنهم وعدوهم بأن جيش الفتح وضع خطة لفتح طريق باتجاه حمص في الفترة القادمة.
ولم يستطع الموقع استطلاع رأي أحد أمراء أو مقاتلي جبهة النصرة في حمص عن الموضوع.
أما في حي الوعر فبحسب مراسل الموقع فإن الجبهة مضبوطة من قبل فصيل يتبع لهيئة حماية المدنيين والتي تمتلك أكثر من 1500 مقاتل مدججين بأحدث الأسلحة، ولكن بحسب مايتداوله العديد من نشطاء حي الوعر الحمصي فإن “الإخوان المسلمين” في إشارة لهيئة حماية المدنيين لا يسمحون بأي عمل عسكري حقيقي تجاه النظام ووظيفتهم تلبية رغبات الداعمين في الخارج بتهدئة الجبهة.
وبالعودة إلى الريف الشمالي فقد تحدث “أبو عبد الله الحمصي” وهو قائد لمجموعة من حوالي ثلاثين مقاتلاً خرجوا من حمص المحاصرة وظلوا في الريف الشمالي قائلاً: من يتحمل مسؤولية “بيع” حمص هم المشايخ بشكل رئيسي فقد تخلوا عن المحاصرين ، وبعدما خرجنا من حمص قام الشيخ أمجد البيطار بإغراء الشباب لإخراجهم من حمص وأعطاهم رواتب مغرية حيث يتقاضى المقاتل في الشمال 200 دولار أمريكي مع طعامه وشرابه و “دخانه” ..في حين لم يصلنا منذ خروجنا من الحصار سوى مبالغ بسيطة من بعض أهل الخير….
ويتابع “أبو عبد الله” شكواه قائلاً: لمصلحة من يتم إخراج الشباب من حمص نحو الشمال؟ وهل ينقص إدلب وحلب مقاتلون أو سلاح؟ أم أنهم يسحبون شمالاً لقتال المسلمين؟ في إشارة منه لقتال تنظيم الدولة.
أما أبو البراء وهو قائد ميداني في اللواء 313 فقد ادعى وجود مؤامرة حقيقية على حمص قائلاً :” في حمص من يقاتل يتم محاربته من الداخل والخارج..ومن يبيع يتم تبنيه والتسويق له في الداخل والخارج أيضاً..مقاتلو حمص قادرون على تحرير سوريا كلها وليس حمص فحسب..ولكن المقاتل يشعر بالجوع والخذلان عندما يرى الفصائل في الشمال تبذر وتسرف في الذخائر وهو يعد الطلقات الروسية”
ومع تلك الآراء في حمص التي تذهب بمعظمها باتجاه وجود “حظر غير معلن” على دعم مقاتلي حمص، فإن الأجواء في كل من الائتلاف الوطني ووزارة الدفاع تتجنب الحديث عن حمص في حين يذهب قلة منها إلى التصريح بحرمان حمص من الدعم، وقد قال سليم إدريس وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة صراحة في مؤتمره الصحفي الأخير بأن حمص لم يصلها دعم منذ مايزيد عن السنتين.
رغم عدم وجود أي تصريح رسمي عن وجود حظر غير معلن على مقاتلي حمص من أي جماعة حتى تلك المصنفة بلوائح الإرهاب والتي يفترض عدم تقيدها بالتوازنات الإقليمية، فإن كل معطيات الواقع الميدانية والسياسية على حد سواء تؤكد وجود مثل ذلك الحظر، وحتى تستطيع أي قوة من قوى المعارضة المسلحة كسر ذلك الحظر أو القيام بعمل عسكري يقلب التوازنات الميدانية في حمص، سيظل واقع تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ حاضراً بقوة حتى إشعار آخر.