بصرى الشام، وما قام به النظام من تدمير في بنيتها الأثرية

بعد قيام الثورة عام 2011 ، لم يكن غاية النظام سوى قمعها والقضاء عليها، ليظل يحكم البلاد بالحديد والنار ويهيمن على مقدراتها المادية، فراح يبطش بالبشر والحجر، دون أن يلتفت إلى أية بنية وطنية، مهما علت قيمتها الحضارية والثقافية والإنسانية..
ومدينة بصرى الشام من المدن الأثرية العالمية المشهورة، نظراً لما تزخر به من معالم قديمة تعود إلى عصور تاريخية متعددة، وأهمها العصر الروماني والعصر الإسلامي.. وقد عانت هذه المدينة من بطش النظام وأذاه، لاسيما وأنها خضعت منذ انطلاقة الثورة إلى سيطرته الغاشمة، وظلت هكذا حتى تم تحريرها من قبل ثوار درعا في 25 آذار من هذا العام 2015..
وقد تبين للمطلعين والمهتمين بالمعالم الأثرية من أهالي مدينة بصرى الشام، كم طالت يد العبث والتخريب آثار المدينة، حيث لم يهتم النظام وعناصره الهمجية بتلك الآثار إلا من حيث الاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه وبيعه خارج البلاد، وما تبقى فقد طاله القصف المتعمد بالصواريخ والبراميل المتفجرة..
وعندما عادت المدينة إلى أهلها، كان من أهم الأعمال التي تم القيام بها هو السعي لحماية آثار المدينة، وخاصة قلعة بصرى ومدرجها الروماني والمواقع الأثرية الأخرى والمنتشرة بكثرة في بصرى القديمة.. حيث قام المجلس المحلي بالتعاون مع فرقة من الشباب المهتم بآثار المدينة، بالإشراف الكامل على تلك المواقع، وتم إحداث دائرة آثار تعنى بالإشراف على المواقع الأثرية وحمايتها وصيانتها وترميم ما تم تدميره من تلك المواقع، وكلفوا السيد سليمان العيسى بإدارة هذه الدائرة..
ومن خلال الكشف والاطلاع على آثار المدينة وما حل بها من تخريب ودمار، فقد بين رئيس الدائرة المكلف أن الميليشيات التابعة للنظام قامت خلال تواجدها في المدينة بالسيطرة على قلعة بصرى الشام وجعلتها ثكنة عسكرية بكل ما تعنيه هذه الكلمة..
ويقول أيضاً: من خلال اطلاعنا على العديد من آثار المدينة ومعاينتها، تبين لنا أن عناصر النظام والميليشيات التابعة لهم قاموا بعمليات سلب ونهب للمتاحف وما حوته من فخّاريات وتماثيل ونقود مختلفة تعود لعصور متنوعة، كما تم توثيق حفريات سريّة داخل القلعة وبعض المواقع الأخرى بحثاً عن الكنوز، وتوثيق حالات تدمير كامل أو جزئي للمواقع الأثرية الرومانية والبيزنطية والإسلامية ومنها: تدمير أجزاء مختلفة من السور الخارجي للقلعة أو ما يسمى بجدار الخندق، وبعد تحرير المدينة مارست قوات النظام الانتقام وقامت بقصف القلعة ومدرجها الروماني.. كما قصفت الجامع العمري الشهير بالبراميل المتفجرة، وأدى ذلك إلى تمدير أجزاء منه.. حيث تم تدمير سقف الباحة المسقوفة من الجامع وتدمير أجزاء من المئذنة نتيجة قصفها بالقذائف والصواريخ.
ويضيف رئيس دائرة الآثار أن قوات النظام قامت بتدمير سرير بنت الملك بالكامل وتحطيم تيجانه، وتدمير أجزاء من الجامع الفاطمي ومئذنته نتيجة للقصف بالقذائف المباشرة والهاون، وكذلك تدمير أجزاء من الكنيسة أو الكاتدرائية وتشويه الأجزاء التي تم ترميمها من كتابات وزخارف جصية.. كما تم قصف ” مبرك الناقة ” بالصواريخ والهاون، وهو موقع أثري قديم، ويقال إنه المكان الذي بركت فيه ناقة الرسول صلى الله عليه وسلمن وقد أدى القصف إلى إحداث فتحة في القبة والجدار الشرقي للمبرك، كما تم تدمير المنازل والبيوت القديمة التي كانت مأهولة بالسكان قبل احتلالها من قبل مليشيا النظام..
وحول الخطط المستقبلية لحماية ما تبقى من آثار، يقول رئيس دائرة الآثار: وضعنا تصوّراً مبدئياً يتمثل بإزالة بقايا ومخلفات الدَّمار والخراب والقصف عن طريق تفعيل ورش عمل تطوعية أو عن طريق توظيف كوادر قادرة على التعامل مع اللقى الأثرية.. والمحافظة على الوضع الراهن للمواقع المدمَّرة والحفاظ عليها من التخريب، والتي تحتاج إلى ترميم.. وإعادة تأهيل المتاحف وإمكانية عرض التحف الثمينة واللقى الأثرية من نقود وفخاريات وتماثيل وغيرها مما يمكن عرضه وما زال محافظاً على حالته السليمة.. وإعادة صيانة وترميم مبنى دائرة الآثار التي طالها التدمير والقصف والتي تحولت إلى ثكنة عسكرية لقوات النظام بعد انطلاقة الثورة..
ومن أجل تنفيذ هذه التصورات والخطط يرى سليمان العيسى أنه يجب إنشاء مركز توثيق أثري في المدينة مهمته توثيق المواقع وتوثيق حالات الدمار والخراب التي طالت المواقع الاثرية، إضافة إلى توثيق الحفريات السريَّة في المواقع التي كانت ثكنات عسكرية لميليشيا النظام.. كما يجب تأمين الموارد المالية اللازمة للبدء بالمرحلة الأولى من هذه الخطة كحدٍّ أدنى، حيث نحتاج للدعم المادي اللازم لتأمين تكاليف التنظيف وإزالة المخلفات والبقايا من أتربة وغيرها، وكذلك رواتب وأجور العاملين في هذا المجال من موظفين وتوثيقيين ومختصين وعمال وحراس المواقع الأثرية والبلدة القديمة..

أضف تعليق