تتمتع الرياضة بفوائد صحية جمّة للجسم والنفس على حد سواء، غير أن البعض يبالغ في ممارستها إلى حد الإدمان.
وقالت مجلة “علم النفس اليوم” إنه ليس من السهل تشخيص إدمان الرياضة، غير أن هناك بعض العلامات التحذيرية الدالة عليه، مثل الاشتراك في أكثر من صالة لياقة بدنية من أجل ممارسة التمارين في كل وقت، وكذلك إهمال المحيط الاجتماعي من أجل ممارسة الرياضة.
كما تظهر على مدمن الرياضة بعض أعراض الانسحاب في حال عدم التمكن من ممارسة الرياضة، مثل العصبية والشعور بالصداع، بالإضافة إلى بعض الأعراض الجسدية مثل الآلام والإرهاق والحمّى والكسور الناجمة عن التوتر العصبي والشعور بالذنب ومعاتبة النفس.
وتنبغي استشارة طبيب نفسي في حال ملاحظة هذه الأعراض؛ لأن إدمان الرياضة قد يمثل مشكلة للجسد والنفس على حد سواء.
ويشعر بعض مدمني التمارين الرياضية بأعراض الانسحاب إذا لم يمارسوا التمارين الرياضية لمدة يوم أو يومين. فالتمارين بالنسبة إليهم لها الأولوية القصوى في حياتهم حتى وإن كانت ستؤثر عليهم بأيّ شكل من الأشكال ولديهم شعور دائم بضرورة المحافظة على التمارين اليومية ويشعرون بالإجهاد والإحباط إن لم يؤدوها بشكل مناسب ومُرض، وبعضهم قد لا يشعر بالرضى أبداً عن مستوى أدائه. وهناك حالة نفسية شهيرة تعرف بخلل تشوّه الجسم، حيث يكون الشخص مهووساً بمظهر جسمه وشكله خاصة لو كانت به بعض العيوب، وفي الغالب قد تكون التمارين الرياضية إحدى أعراض تلك الحالة خاصة إذا كان هدف الشخص من التمارين هو تحسين مظهر جسده فقط.
وقد تدفع الرغبة بالتخلص من التوتر الرياضيين للتمّرن بشكل مفرط، لكن الأمر قد يذهب إلى حد الهوس المرضي. ويقول باسكال بيك، وهو شرطي قضى مرحلة من حياته كان يمارس خلالها أربعين ساعة من الرياضة أسبوعياً بين عدوٍ وسباحة ودراجة هوائية، “دائماً أقول إنك تشعر بنفسك حياً. قد يبدو هذا التفسير مضحكاً، لكن الدراجة الهوائية والسباحة وكرة القدم تشعرك بالحياة”.
وباسكال هو بطل العالم في سباق الترياتلون. وتمكن من قطع 40 كم سباحة، خلال ثمانية أيام، تبعها بما يقارب من ألفي كلم على الدراجة الهوائية و400 كم على الأقدام. وكانت حياته مسخّرة كلياً للرياضة. وعن برنامجه اليومي يقول “كنت أنهض منتصف الليل من أجل السباحة حتى الرابعة صباحاً، ثم أذهب إلى عملي عند الخامسة. عندما أعود إلى المنزل أتناول طعامي ثم أخرج بالدراجة الهوائية مدة ثلاث أو أربع ساعات. ثم أركض مدة ساعتين عند نهاية النهار”.
وتجدر الإشارة إلى أن النشاط الرياضي يحفّز الدماغ ويحرضه على إطلاق الأندورفين، وهو نوع من المورفين الطبيعي الذي يوفر الشعور بالرفاه والنشوة. وعند النشاط البدني الشديد، فإن الدماغ يطلق هرمون الدوبامين الذي ينشط مناطق في الدماغ مرتبطةً بالإدمان.
ويقول باحث في علم الأعصاب عن سبب إدمان الرياضة “إنه يعطيك شعوراً وكأنك تطفو، وتفقد الإحساس بالزمن وبالمخاوف وكأنك في حالة من النشوة. عند بعض الأشخاص البحث عن هذا الشعور يصبح هدفاً يرتجى في كل وقت”.
يذكر أن باسكال بيك بدأ بتقليص نشاطه البدني، حفاظاً على حياته العائلية. ومازال حلمه يتمثل بقطع سباق الترياتلون حول العالم خلال عام واحد.
وكشفت تقارير طبية أن التغيرات في مستويات هرمون الليبتين والمعروف بهرمون الشبع ، يعد أحد العوامل الدافعة لتحفيز العدائين للعدو مسافات أطول.
ويشتق هرمون اللبتين من الخلايا الدهنية التي ترسل إشارات إلى المخ عندما يكتفي الجسم بالكمية الكافية من الوقود والطاقة. وتشير الدراسة إلى أن انخفاض مستويات ذلك الهرمون يرسل إشارة بالشعور بالجوع إلى مراكز المتعة في المخ لتوليد آثار مجزية للتشغيل.
وقال كبير معدي الدراسة، ستيفانى فولتون في جامعة مونتريال الكندية، إنه بناء على هذه النتائج “نعتقد أن انخفاض مستويات هرمون الليبتين يزيد من الدافع لممارسة النشاط البدني كوسيلة لتعزيز السعي للبحث عن مصادر الغذاء”.
وتشير النتائج إلى أن الأشخاص الذين يعانون من انخفاض مستويات هرمون اللبتين المعدّل للدهون، مثل عدّائي الماراثون عالية الأداء، يحتمل أن يجعلهم الأكثر عرضة للشعور بالمكافأة، وبالتالي أكثر ميلا لممارسة الرياضة. وفي التجارب المعملية، الفئران التي تعاني انخفاضا في هرمون اللبتين في المخ، استطاعت العدو لبضعة أميال إضافية على عجلة دوارة مقارنة بالفئران العادية.
وقد تبين أن مستويات هرمون الليبتين المنخفضة تترافق مع إدمان ممارسة التمارين الرياضية.
ويحذر الأطباء من الإفراط في ممارسة الرياضة نظراً لما يعكسه من تأثيراتٍ سلبية تضرّ بالصحة، فعلى الصعيد الاجتماعي، يؤثر الانغماس في ممارسة الرياضة سلباً على الحياة الاجتماعية إذ تصبح العلاقات الإنسانية شبه غائبة. ويفقد التعب الشديد الجهاز المناعي قدرته على محاربة الفيروسات التي قد تصيبه في بعض المواسم.
ويعتبر الإدمان الرياضي سبباً جوهرياً للإصابة بالالتهابات المزمنة في الجهاز التنفسي خصوصاً عند الإصابة بنزلات البرد.
وفي الوقت الذي تخفف فيه لتمارين الرياضية من نسبة الإصابة بالأزمات القلبية يعتبر الإفراط في ممارستها سبباً أساسياً لتلك المشكلة الصحية.
ويؤدي الإفراط في ممارسة الرياضة والإرهاق الشديد إلى توتر الأوتار فترتفع بذلك نسبة إصابة الجسم بكسور العظام. ويعاني الجسم جرّاء الإدمان على الرياضة من اضطرابات غذائية عدّة كفقدان الشهية وتؤثر سلباً على انتظام الدورة الشهرية لدى النساء إضافة إلى خسارة الوزن بطريقة غير مدروسة وصحية.
وتنعكس مدة التمارين الرياضية الطويلة على لياقة العضلات فتؤدي إلى تشنّجها وشدها. وتظهر أحياناً تلك العادة سلوكيات غريبة كالصعوبة في التركيز والاكتئاب والقلق الدائم حول الرشاقة.
ويضع الباحثون بعض الخطوات التي تساعد في التغلب على الإدمان الرياضي. فيوصون بعدم التوقف الكلّي عن ممارسة الرياضة والقيام بالنشاط البدني ثلاث مرات في الأسبوع بشكل لا يتعدّى الـ40 دقيقة في كلّ مرة واستهلال التمارين الرياضية بتدريبات خفيفة كالمشي أو الركض ثم الرفع من المستوى بشكل تدريجيّ. ويحث مدربو اللياقة عل تغيير نوع النشاطات الرياضية المكثفة واستبدالها ببعض النشاطات الاجتماعية الأخرى كالتسوق والتقاء الأصدقاء، في محاولة للموازنة بين النشاط الحركي والفكري والترفيهي والابتعاد عن سد أوقات الفراغ بممارسة الرياضة فقط دون سواها.
وأكد باحثون أن الإكثار من ممارسة التمارين الرياضية الشاقة لوقت طويل، يضر عضلة القلب، وذلك بخلاف ما يظنه البعض من أن الجهد الزائد يفيد الصحة العامة للجسم.
وبيّن الباحثون في الدراسة التي نشرتها مجلة تايم الأميركية أن الإكثار من التمارين الرياضية الشاقة والمرهقة يؤدي إلى إطلاق الجسم لإنزيم يدعى تروبونين الضار بعضلة القلب، والذي ينتجه الجسم مع تعالي الإرهاق للعضلات.
وأشار الباحثون في الدراسة إلى أن إنزيم تروبونين، يستخدم عادة على الأشخاص الذين يعانون من النوبات القلبية، لإنعاش القلب المرهق، ويزداد إفرازه كلما زاد حجم إرهاق العضلة القلبية وتمزق أنسجتها.
وبينت الدراسة أن هذه العوارض لا تظهر على الجسد بين ليلة وضحاها، حيث تم الاستدلال على ذلك من خلال الحالات التي تم الكشف عنها لعدائين في الماراثونات الطويلة.
وينصح الباحثون ممارسي التمارين الرياضية بعدم إجهاد الجسد بشكل كامل، حيث أن أنسب التمارين الرياضية هي التي تستمر لمدة تتراوح بين 15 دقيقة وساعة، ولعدة أيام في الأسبوع، وتجنب التمارين الرياضية الشاقة والتي تستمر لساعات طويلة.
المصدر: الحرص الزائد على لياقة مثالية يتحول أحيانا إلى إدمان