الصراع المرير في سوريا، والذي لايزال مستمراً منذ أكثر من أربع سنوات وحتى الآن، فرض على المجتمع السوري عموماً، حياة جديدة تختلف بشكل شبه كلي، عن الحياة السابقة، فالتغيير الذي طال البنية الاجتماعية أحدث انقلاباً في المفاهيم والأفكار، نتيجة للظروف التي يمر بها الإنسان السوري، وهي ظروف تختلف من عائلة إلى أخرى ومن مكان لآخر، وكلها تعيش في دائرة الحياة القاسية المريرة، لاسيما تلك العائلات التي تعيش لاجئة خارج الوطن، وعلى الأخص في لبنان، وعلى رأسها العائلات التي تقيم في عرسال..
المشاكل التي أحدثتها صعوبة الحياة كثيرة وقاسية، ومنها اضطرار العديد من العائلات إلى الزواج المبكر للشباب والفتيات على حد سواء، ولذلك أسبابه وضروراته، كما يرى البعض..
من ذلك على سبيل المثال لجوء بعض الشباب إلى الزواج المبكر، ولا سيما الذين ينضمون لقوات الثورة ومحاربة النظام.. فهؤلاء يتولد عندهم شعور دائم بأن الموت قريب منهم، نظراً للمعارك الدائرة باستمرار، وسقوط العديد من زملائهم المقاتلين أمام أعينهم، ولاسيما في جرود القلمون، ولا بد للمقاتل من أن يتزوج مبكراً، لكي يترك وراءه ذرية تحمل اسمه، كما يفكر ويعتقد.
أما بالنسبة للفتيات، فكما يقول مراسلنا في عرسال، فإن الآباء في ظروفهم القاسية لم يعودوا قادرين على تأمين متطلبات الحياة لأطفالهم، وخاصة إذا كان عدد أفراد الأسرة كبيراً.. فحين يتقدم أحد الشباب ممن يحمل السلاح ويدافع عن الأرض والعرض والوطن، إلى خطوبة إحدى الفتيات، فإن أهل الفتاة سيوافقون على الخطوبة فوراً، حتى لو كانت ابنتهم صغيرة لا تتعدى 13 عاماً، وحتى لو كان مصير الخطيب يتأرجح بين الموت والحياة..
ومن الطبيعي أن يسقط بعض الشباب من المتزوجين، سواء في ساحة المعركة أو في القصف من هنا أو هناك، هكذا تصبح زوجاتهم أرامل وأمهات، وهن لا يزلن صغيرات السن..
ويضرب المراسل مثالاً على ذلك بواحدة من أولئك الفتيات، التي تحدثت عن وضعها، حيث قالت:
تقدم محمد لخطبتي في بداية الثورة، وكنا لا نزال في مدينتنا، وكان من أوائل الشباب في جميع المعارك، فوافق والدي على زواجي منه، وكان عمري ثلاثة عشر عاماً، وكان الزواج في تلك الفترة، يتم بمهر بسيط جداً، وبدون أية شروط أو تعقيدات أخرى..
وتتابع الأرملة الصغيرة: استشهد زوجي في إحدى المعارك، وأنا حامل في الشهر الثاني، ثم أنجبت طفلاً أسميناه محمد على اسم أبيه.. وبعد أن اشتد الخطر علينا، وأصبح الموت قريباً منا، اضطررنا، أنا وطفلي محمد وعائلة زوجي للخروج من بلدنا، والتجأنا إلى بلدة عرسال. وكانت العبارة التي تسعدني وتؤلمني في الوقت نفسه أن أهل زوجي كانوا دائماً يرددون: ذهب البطل محمد وجاء ابنه محمد، وهكذا بقي زوجي حاضراً في هذه العبارة التي تخلد ذكراه.
وأنا الآن أرملة وعمري خمسة عشر عاماً، وحالياً يصر أهل زوجي لكي أتزوج أخ زوجي الأصغر، وأبقى أنا وطفلي معهم.. وهذه حال العديد من الفتيات اللواتي يعشن في ظروف الحرب.
وتحكي إحدى الفتيات قصتها المؤثرة، فتقول: تزوجت في سن مبكرة، وبقيت مع زوجي في بلدنا حتى أخر لحظة، بعدها اضطررنا للخروج إلى منطقة القلمون، وبعد المعارك التي دارت هناك انتقلت معه إلى الجرود، وعشت في الكهوف التي عاش فيها، لكي أبقى معه، أنا وطفلاي. لكن بسبب قسوة الاشتباكات المستمرة، وخوفه عليّ وعلى ولدينا، اضطررت أن أترك الجرود وألتجئ إلى مخيمات عرسال، أما زوجي فقد بقي في الجرود. ومنذ قدومي لا أعلم عنه شيئاً، وقد كلمني مرة واحدة. وأنا الآن أعيش على الانتظار، وأعلم بأنه في أية لحظة قد يأتيني الخبر المفجع وهو استشهاده، لأن الواقع الذي يعيش فيه، ليس له نهاية واضحة، إما الموت أو الفرج القريب من رب العالمين.