“بسرعة يا شباب، البلم عم يغرق”، السوري بطل مأساة اللجوء و ضحيتها

“بسرعة يا شباب، عم يغرق البلم”، مئات بل آلاف المنشورات “الفيسبوكية” تعنونت أو تضمنت بشكل كامل هذه الجملة، الحرب السورية ساهمت في اصطفاف كلمات معيّنة بنسق جديد يظهر لأول مرة في تاريخ اللغات ليعبر عن مأساة يومية، شبه ساعيّة، أبطالها سوريون هاربون من براميل الأسد إلى نعيم بلاد الحرية و الكرامة.

البراميل التي تتخذ من سماء سوريا في كل الفصول شتاءً تهطل فيه على رؤوس مدنيين، كان ذنبهم الوحيد أنهم طالبوا منتصف آذار/مارس 2011 بالحرية و العدالة و الكرامة، المفردات الثلاث الأساسية في قواميس منظمات حقوق الإنسان و دساتيرها، هذه البراميل كانت أحد أهم الأسباب التي دفعت بآلاف العائلات إلى اللجوء خارج سوريا و في أحسن الأحوال اضطرتها إلى النزوح داخله.

الإعلام الغربي لم يغير البتة من سياسته تجاه قضايا الشرق الأوسط، و بحكم أنّ سوريا باتت دولة محورية في الصراع الشرق أوسطي الذي تحرص كل دول العالم على استمراره، فقد باتت اليوم المادة الدسمة لتقارير المراسلين و المحررين و المذيعين من بعدهم، لكن بالاتجاه المسيّس الذي لا يرضِ الشعب السوري، بطلَ هذه المادّة و قوامَها الأساسي.

آلاف الأطفال قضوا في سوريا منذ اندلاع الصراع، البراميل و القذائف و الاشتباكات و الاقتحامات الطائفية حصدت أرواح أكثر من 80 ألف طفل بحسب إحصائيات غير رسمية، في حدها الأدنى، في الغوطة وحدها قُتل أكثر من 700 طفل خلال 3 ساعات في 21 آب/أغسطس 2013، اكتفى الإعلام الغربي بذكر الخبر في الشريط أسفل الشاشة، و بنقله على لسان المسؤولين الغربيين على أنه “خبر يدفع الجميع لأن يعرفوا من هو الذي ألقى القذائف الكيماوية على الغوطة الشرقية بريف دمشق”، أما القتلى، فهم مجرد رقم متداول يكمل قوام مقالة خبرية و يضبط لحن الخبر على لسان المذيع.

الإعلام ذاته اهتم بشكل غير مسبوق بإبراز مزايا اللجوء في الدول الغربية، بحث و استقصى و سلط الضوء على الامتيازات المختلفة، و وفر سيلًا من معلومات باتت تؤرشف في مواقع مستقلة و في صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحظى بتحديث دائم، و سعى – أي الإعلام الغربي – إلى ضمان وصول هذه المعلومات إلى المدني السوري بشكل خاص.

خفر السواحل الليبي و الإيطالي و اليوناني و التركي، كانوا على موعد حافل مع آلاف القوارب المطاطية و الخشبية المهترئة التي تقل عددًا من اللاجئين و المهاجرين غير الشرعيين يفوق طاقتها بأحسن حالاتها بأضعاف مضاعفة.

لا أرقام دقيقة لعدد القوارب التي غرقت في عرض إيجة بين السواحل التركية و اليونانية، و لا بين السواحل الإيطالية و الليبية، لكن الرقم الدقيق هو أنّه في كل 24 ساعة يغرق قارب واحد على الأقل، يقل 30 شخصًا على أقل تقدير، ينجو منهم 10%، و يتولى البحر إيصال جثث الباقين إلى السواحل المكتظّة بالحياة.

المهاجرون السوريون عمدوا إلى إنشاء مجموعات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فمعظم من يريد السفر و خوض غمار الطرقات، بات يحرص على زيارة هذه المجموعات، ليتعرف على “خارطة الطريق” و أسماء و أرقام “المهربين” الذي تصفهم المنظمات العالمية بـ “تجار البشر”، و على الإجراءات الأخرى المتعلقة مثل مستلزمات الطريق و محطات الاستراحة و تحديثات حول الطرقات و المنافذ الحدودية الصالحة لإكمال الرحلة نحو البلاد التي تعطي أفضل ميزات اللجوء كالسويد و ألمانيا.

موقع “مرآة سوريا” اطلع على عينة من هذه المجموعات، و رصد آراء عدد من منتسبيها من الذين سافروا ووصلوا إلى وجهتم، و من الذين ما زالوا يتجهزون للبدء برحلة “الهجرة”.

“محمد الخولي”، طالب هندسة كهربائية في جامعة حلب، وصل إلى ألمانيا بعد رحلة استغرقت 6 أسابيع، انطلق من السواحل التركية بعد أن وصلها عبر طرقات التهريب على الحدود السورية التركية.

يقول “الخولي”:”العيش في حلب أصبح مستحيلًا، كنت في مناطق سيطرة النظام بحلب المدينة، وصلني تبليغ إلى المنزل بضرورة الالتحاق بالخدمة الإلزامية في الجيش النظامي، قررت الهروب و السفر، و وصلت إلى تركيا عبر الحدود بشكل غير نظامي، و من سواحلها الغربية في إزمير انطلقت مع مجموعة من 25 شخصًا بواسطة قارب مطاطي إلى السواحل اليونانية، لأنهي بذلك الخطوة الثانية و الأصعب على طريق اللجوء”.

“آلاء الأسمر” إحدى طالبات اللجوء اللاتي قررن الذهاب إلى أوروبا عبر البحر أيضًا بمفردهنّ دون أن يكون معهنّ أيًا من أفراد عائلاتهنّ، قالت لـ “مرآة سوريا”:” يوجد لدي أخ واحد عمره 16 سنة، أبقيته عند أبي و أمي و أختي الصغيرة، و قررت الذهاب إلى ألمانيا حيث إجراءات اللجوء سهلة، أتفهم المجازفة الكبيرة في الطريق، لكنني عازمة على ذلك، و سأقوم بعمل “لم شمل” لعائلتي حالما أستطيع ذلك”.

أما “قصي عزّام” و هو ابن مدينة إدلب، فإنه أحد الذين يخوضون “الهجرة العكسية”، حيث وصل السويد قبل نحو سنة و 7 أشهر، حصل على الإقامة هناك، إلا أنّه و بحسب ما قاله لـ “مرآة سوريا” يفضّل تركيا على “كل العز و النعيم الوهمي” في السويد، و يقول موضحًا:”وفروا لي كل شيء عند قدومي، لقد ظننت نفسي في الجنّة، إلا أنني عندما تعايشت مع المجتمع السويدي و أتقنت اللغة السويدية و تعرفت على القوانين التي سأكون مجبرًا على اتباعها، وصلت إلى قناعة تامّة بأنّ هذه البلد ليست مكاني الطبيعي، ولا تناسبني كسوري على الإطلاق، لذلك قررت العودة إلى تركيا، سأعمل بأي شيء و أعيش و أنتظر انتهاء الحرب لأعود إلى بقايا منزلي في إدلب”.

الراصد لكيفية تعاطي الإعلام المحلي في الدول الغربية مع موضوع اللاجئين لا شكّ و أنّه سيصطدم بالعري الأخلاقي الجليّ في التقارير التي يتم إعدادها يوميًا، و سيشاهد ضحايا هذه التقارير من اللاجئين السوريين الذين ظهروا في تلك “الريبورتاجات” و اللقاءات و كأنّهم كانوا محرومين في بلادهم من أبسط و أتفه الأشياء، و بأنهم صدموا بالحياة في السويد، لقاءات مقتضبة قوامها دقيقة أو اثنتين من أصل مقابلة دامت ساعتين، وجهها الإعلام الغربي كما يشاء ليظهر اللاجئ السوري على أنه هارب من تنظيم الدولة لا من بطش براميل الأسد، و مناه في دول أوروبا الحصول على “آيفون” بعد أن كان يملك نوكيا “3310” في سوريا، أو على حصة من المتعة الجنسية التي كان محرومًا منها في بلاده بسبب الفصائل الإسلامية المعارضة.

الأيام القليلة الماضية أوعزت للاجئين قرب نهاية “موسم الهجرة” لهذا العام، مياه بحر إيجة لم تعد ساكنة هادئة كما كانت من قبل، الشتاء حلّ مع ما يحمله من موج متخبط، و رياح عاصفة، بالتزامن مع عواصف أخرى بين “تركيا” أكبر دولة حاضنة للاجئين السوريين و دول الاتحاد الأوربي التي تحاول الاستمرار في ترك تركيا وحيدة أمام أكثر من 2 مليون لاجئ سوري في أراضيها.

أضف تعليق