خطّة إماراتية بتنفيذ أردني و دعم إسرائيلي و حماية روسية لوأد الثورة في درعا

لم يُخفِ الأردن دعمه لفصائل المعارضة السورية التي تسيطر على المناطق المحاذية لحدوده الشمالية، بهدف حمايتها و ضمان وجود قوات تابعة له بشكل فعلي في المناطق المحاذية لها، مستخدمًا لذلك جهاز مخابراته الذي كان له يد طولى في المنقطة الجنوبية من سوريا، منذ اندلاع الحراك المسلح المناوئ لنظام بشار الأسد و الذي دخل عامه الخامس.

و أعلن الأردن دعمه لمجموعات المعارضة السورية المسلحة التي سيطرت على قرى و بلدات عديدة في درعا عام 2012، فمدّها بالسلاح المحدود و الذخيرة، مقابل الولاء، كما أحكم قبضته الأمنية على الحدود رغم الضغوط الدولية التي طالبته باتباع سياسة “الحدود المفتوحة” مع المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة الملاصقة للحدود الأردنية الشمالية، تزامنًا مع تشكيل ما يسمى “غرفة الموك”، التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية و تضم دولًا غربية مثل فرنسا و بريطانيا، و أخرى عربية أهمّها الأردن و الإمارات و السعودية (التي انسحبت قبل نحو 3 أشهر)، و وظيفة هذه الغرفة دعم فصائل المعارضة السورية بالسلاح و الذخيرة و الصواريخ المضادة للدروع، كما تقدّم رواتب شهرية للمقاتلين المعارضين لنظام الأسد.

“الموك” وسيلة فعّالة بيد جهاز المخابرات الأردني

و ينشط جهاز المخابرات الأردنية في درعا، عبر إشرافه المباشر على ما تقدّمه “الموك” للمقاتلين المعارضين، حيث واكب باهتمام بالغ تطورات الثورة السورية التي ألقت بظلالها على الوضع في درعا و عموم مناطق المنطقة الجنوبية، و وجه إلى تأسيس مجلس عسكري موحد يضم عددًا من أهم فصائل المنطقة الجنوبية المعارضة للأسد.

و حيث أنّ إنشاء هذا المجلس كان بقرار أردني، فقد تم تعيين الضابط المنشق عن جيش الأسد “أحمد النعمة” كقائد عام له، و الذي لم يكن في موقع ثقة وتوافق من المجموعات التي انضمت إلى هذا المجلس أو إلى فصائله الكبرى”، إلا أنّ “النعمة” كان يحظى بدعم غير محدود من قبل ضباط جهاز المخابرات الأردنية، إلى أن تم اعتقاله – و ربما إعدامه – من قبل جبهة النصرة عام 2014.

“الجبهة الجنوبية” علاج “التخوّف الأردني”

و مع تطور طبيعة الصراع في سوريا، و تنامي حركة انضمام الشباب إلى المجموعات السورية المسلحة المناوئة للنظام، و ازدياد عددها و قوتها، و التواجد الفعلي الذي كان متناميًا لجبهة النصرة – جناح تنظيم القاعدة في بلاد الشام -، وجّه الأردن إلى تأسيس كيان عسكري موحّد تتجمع فيه كبرى فصائل المعارضة السورية في المنطقة الجنوبية عمومًا، و في منطقة الغوطة الغربية بريف دمشق أيضًا، مع الضغط على المجموعات الصغيرة بوجوب الانصهار في التشكيلات الكبرى التي شكّلت استجابة لذلك ما يسمى بـ “الجبهة الجنوبية”.

و هذا ما اعتبره مطلعون بأنّه “علاج للتخوف الأردني من عقائد مختلفة تتبناها مجموعات صغيرة و مختلفة من الممكن أن تتمرّد في أي وقت، و تعرض سلامة و أمن الحدود الأردنية الشمالية للخطر، أو تسبب الإزعاج للقوات الأردنية المنتشرة على طول الحدود على أقل تقدير”.

و عمل الأردن بعد أن ضمن ولاء فصائل الجبهة الجنوبية التي أصبحت القوّة الكبرى في المنطقة الجنوبية بسوريا، على إضعاف نفوذ “جبهة النصرة” و المجموعات التي تتبنى الفكر الجهادي في تلك المنطقة، و استخدم لذلك كيان “الجبهة الجنوبية”، حيث أمرها بقطيعة جبهة النصرة و الضغط عليها للخروج من درعا، و هو ما حصل بالفعل بعد أنّ خرج أكثر من 90% من عناصر الجبهة و قاداتها نحو الشمال السوري في صفقة شهيرة نسّقها جهاز المخابرات الأردنية مع نظام الأسد أواخر العام الماضي و بضمانات روسية.

و في ظل التطورات الأخيرة التي شهدها عام 2016 في سوريا، أصبح لدى الأردن حسابات أخرى تدرس استمرار الصراع في سوريا لسنين طويلة، ما دفع بالسلطات الأردنية إلى دراسة وضع المنطقة الجنوبية في سوريا بشكل متأنٍ.

خطّة لترويض “عسكر” و “شعب” الجنوب السوري

و فيما تناقلت وسائل إعلام عربية عديدة أخبارًا عن وجود تنسيق ما بين الأردن و الإمارات لإحداث تغيير تهيمن من خلاله على فصائل المعارضة السورية و أماكن سيطرتها في درعا و ريفها، حصل موقع مرآة سوريا من مصدر خاص في العاصمة الأردنية عمّان على معلومات موسّعة تكشف تفاصيل خطّة أردنية بدعم إماراتي و ضمانة روسية و بمشاركة إسرائيلية لإنشاء “جيب أمنيّ يحظى بقاعدة شعبية في المناطق الجنوبية المحاذية للحدود الأردنية و الإسرائيلية”، يضمن الأردن و إسرائيل من خلاله أمن حدودهما، مقابل تجميد جبهات القتال بين فصائل المعارضة السورية و النظام في تلك المناطق بشكل دائم.

و يقول المصدر الذي فضّل عدم كشف هويته إنّ الخطة الجديدة لا تهدف فقط إلى “ترويض المجموعات المسلحة المعارضة” فحسب، بل تتعدى ذلك لتصل إلى حشد تأييد من قبل المدنيين لتكوين قاعدة شعبية كفيلة بأن تكون أحد أهم أسباب ديمومة الخطة و نجاحها.

الخطة جمعت إسرائيل و نظام الأسد و الأردن و روسيا و الإمارات

و تهدف الخطة الجديدة التي توافقت عليها دول: الإمارات و الأردن و روسيا و إسرائيل و نظام الأسد إلى “إعادة هيكلة جميع فصائل المعارضة السورية في المنطقة الجنوبية، و صهرها بكيان واحد ذي مجلس عسكري و هيئة إدارية منظمة تتولى كامل المسؤوليات العسكرية و المدنية و الخدمية في المنطقة”.

لا “للفكر الجهاديّ” في درعا

و سيعمل الكيان الجديد على طرد جميع الفصائل التي تحمل فكرًا “جهاديًا متطرفًا”، مثل جبهة النصرة و أحرار الشام، كما سيسبق ذلك استخدام “الجبهة الجنوبية” الحالية للقضاء على وجود الفصائل المناصرة لتنظيم الدولة (لواء شهداء اليرموك، و حركة المثنى الإسلامية).

ويقول المصدر:”تعالج الخطة الجديدة مسألة “الرفض المتوقع” من قبل بعض الفصائل و المجموعات المعارضة، من خلال “تدعيشها”، أي اتهامها بالانتماء إلى تنظيم الدولة و بالتالي ضمان تأييد شعبي للقضاء عليها أيضًا”.

و حول مهمة الكيان العسكري الذي تبحث الخطة تشكيله، فإنّه سينقسم إلى “جيش حماية للحدود”، و “قوات أمن”، و “قوات خاصة”، و جميعها تدار مباشرة و بشكل مركزي من مجلس موحّد على اتصال مباشر و بشكل آني مع جهاز المخابرات الأردنية الموكّل بالإشراف على تنفيذ الخطة”.

“حدود حمراء” يحظر تجاوزها

و بالنسبة لما سمّي في الخطة “الحدود الحمراء” يوضح المصدر أنّه تم الاتفاق بين الدول سابقة الذكر على شيء أشبه “بترسيم حدود”، تلتزم القوات المتصارعة بعدم تخطيها مع الاحتفاظ بحقها في إنشاء نقاط حراسة والرد على أي عدوان محتمل وقوعه.

و بموجب الخطة فإنّ الغارات الجوية التي يشنّها طيران النظام و الطيران الروسي ستتوقف في المنطقة و لن يطلق النظام أية معركة لتجاوز “الحدود الحمراء”، مقابل توقف جميع العمليات العسكرية لقوات المعارضة السورية بما فيها الاقتحامات و المعارك و القصف المدفعي و “أعمال الخطف” و التسلل، و”التهريب”.

و لأجل الحدود التي ستأكل عددًا من المناطق و القرى الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في الوقت الحالي شمال درعا و في منطقة “مثلث الموت” التي تربط محافظات ريف دمشق و القنيطرة و درعا؛ سيشنّ نظام الأسد معركة للسيطرة على تلك المناطق حتى “الحدود الحمراء”، و سيعمل جهاز المخابرات الأردنية على دفع الفصائل “ذات التوجه غير المناسب” إلى تلك المعركة بهدف استنزافها و إضعافها و تهيئتها للاندماج بالكيان المزمع تشكيله لاحقًا.

و هذا ما يتقاطع مباشرة مع تقارير ميدانية تفيد باستقدام النظام لحشود عسكرية كبيرة إلى منطقة مثلث الموت خلال الأيام الثلاثة الماضية، حيث قالت شبكة “شام” الإخبارية نقلًا عن ناشطين ميدانيين إنّه “شوهدت باصات ترفع علم إيران ومحملة بعناصر وقادمة من العاصمة دمشق باتجاه مثلث الموت”، الخميس 28 نيسان/أبريل 2016.

و يقول المصدر:”ما كانت معركة “الشيخ مسكين” و “عتمان” أواخر شهر كانون الثاني/يناير الماضي، إلا جزءًا من هذه الخطّة، و المتابع لسير هذه المعارك سيكتشف أن فصائل شاركت في التصدي لقوات الأسد بينما انسحبت فصائل أخرى بشكل مريب”.

المدنيون هدف رئيسي

و تتضمن الخطّة “تحسين الوضع المعيشي للمدنيين” كأحد أهم الوسائل التي سيتم الحصول من خلالها على “التأييد الشعبي” المعوّل عليه، و سيتم بناء وحدات سكنية بنظام “التجمعات” ستستوعب عددًا كبيرًا من المدنيين “بما يغطي الحاجة”، و سيتاح للنازحين القابعين على الحدود الأردنية بالسكن في هذه التجمعات، كما سيتم تخفيف الضغط على مخيم الزعتري “بما لا يخل بوظيفته الاستراتيجية للأردن”، من خلال ترغيب اللاجئين بالعودة إلى درعا، بحسب تعابير المصدر.

مصالح متقاطعة

و سيستطيع نظام الأسد من خلال هذه الخطة سحب قواته المرابطة على جبهات المنطقة الجنوبية باتجاه “مناطق أكثر حاجة” وسط و شمال و شرق سوريا، كما سيستفيد من عودة العلاقات التجارية -التي كانت أحد بنود الخطة- مع الأردن، و السماح من جديد للشاحنات التجارية اللبنانية بالعبور إلى الأردن و بالعكس، كما ستحصل هيئة إدارة المنطقة الجنوبية التي ستشرف على عمل المعابر التي سيتم فتحها، على نسبة من العائدات التجارية.

و كشف المصدر أنّ الأردن هو أكبر المستفيدين من هذه الخطة بعد نظام الأسد، فبالإضافة إلى تأمين حدوده الشمالية، فإنّه اشترط تنمية القطاعات الشمالية في منطقتي “المفرق” و “الرمثا”، حيث ستكفل إسرائيل – بمنحة إماراتية- تأمين الطاقة الكهربائية للمنطقة الجنوبية من سوريا، بالإضافة إلى المناطق الشمالية من الأردن الذي يعاني مشكلة غير حديثة العهد بتأمين الطاقة الكهربائية لمناطقه الشمالية بالتحديد.

و ستصرف روسيا كما نظام الأسد النظر عن “مشاكل المنطقة الجنوبية” من سوريا، و ستحل الإمارات “مشاكل” هذه المنطقة التي لطالما تدخلت و تحكمت بها من خلال غرفة “الموك”، لحد دفع السعودية بالانسحاب منها قبل نحو 3 أشهر، و ستكون بذلك قد قدمت “مساعدة كبرى” لنظام الأسد التي تتخذ مواقفًا داعمة له على الدوام، بحسب المصدر الأردني.

تنسيق قديم جديد

و كان التنسيق الفعلي للخطة قد بدأ في أواخر عام 2015 عندما زار وزير الخارجية الأردني “ناصر الجودة” روسيا، حيث صرّحت وزارة الخارجية الروسية آنذاك بأنّ روسيا و الأردن اتفقتا على “تنسيق العمليات العسكرية في سوريا، من خلال آلية عمل مركزها العاصمة الأردنية عمّان”.

و يقول المصدر:”استكملت مباحثات الخطة من خلال زيارات ونقاشات سرية قام بها مسؤولون أردنيون مع إسرائيل، و نظام الأسد، بإشراف إماراتي مباشر، منذ بداية عام 2016 الجاري، و لمّا تنتهي بعد”.

اجتماعات بعيدة عن الكاميرات

وقال ضابط منشق عن جيش الأسد، يقود مجموعة عسكرية في درعا، لموقع “مرآة سوريا” إنّ اجتماعات متكررة يقوم بها قادة فصائل الجبهة الجنوبية في الأردن دون أن يكشفوا ماهيتها، و هي ليست اجتماعات اعتيادية كما هو معهود”.

و يردف الملازم الذي تحفظ عن ذكر اسمه بالقول:”حصلت على معلومات من مصدر خاص تفيد بأنّ هذه الاجتماعات تبحث مرحلة تتضمن حلًا جذريًا للحرب في المنطقة الجنوبية، ستكون أنموذج حل في جميع المناطق السورية”.

و تعتبر درعا الشرارة التي فجّرت ثورة شعبية عارمة في سوريا منتصف آذار/مارس 2011، بدأت بمظاهرات تطالب بالإصلاحات الدستورية و رفع حالة الطوارئ، وتطورت إلى حراك مسلّح بعد أن استخدم نظام الأسد آلة القمع العسكرية مرتكبًا مئات المجازر بحق المعارضين المناوئين.

و بسبب موقع درعا المحاذي لفلسطين المحتلّة و الأردن، فإنّ إسرائيل و السلطات الأردنية تولي أهميّة بالغة للوضع الأمني فيها، و تحرص على أن تكون تركيبة الفصائل المسلحة فيها لا تشكل أي تهديد أمني للحدود و الداخل.

أضف تعليق