تحرص فصائل المعارضة السورية و الهيئات المدنية في المناطق المحررة على ضبط الحالة الأمنية وفض النزاعات عن طريق محاكم شرعية يتم تشكيلها بالتوافق بين جهات عدة في المنطقة الواحدة.
فتم تشكيل “محكمة جيش الفتح” في الشمال السوري، و محكمة القضاء المشترك في ريف دمشق، و المحكمة الشرعية العليا في ريف حمص، و محكمة العدل في المنطقة الجنوبية، و غيرها من المحاكم المتفرعة و المتخصصة بكل منطقة دون أخرى.
و مع مرور ريف حمص الشمالي بأحداث مفصلية خلال الشهور الماضية، تصاعد دور وأهمية المحكمة الشرعية العليا التي تم تشكيلها بتوافق و دعم الفصائل العسكرية المعارضة في المنطقة، فحسمت المحكمة العديد من القضايا، و فضت العشرات من النزاعات بين الفصائل، و بين المدنيين و هيئات عمل أخرى.
إلا أنّ المحكمة الشرعية في حمص، ليست الهيئة القضائية الوحيدة في ريف حمص المحاصر، مع وجود المحكمة الشرعية الخاصة بجبهة النصرة – جناح تنظيم القاعدة في سوريا – و التي اعتكفت عن التوقيع على ميثاق المحكمة الشرعية العليا أثناء تشكيلها، خلافًا لما أجمعت عليه فصائل المنطقة.
و كانت صدامات عديدة غير مباشرة حصلت بين المحكمة الشرعية العليا، و محكمة جبهة النصرة، تم حلّها بالتوافق دون أن تتحول إلى خلافات، تتعلق هذه الصدامات بمناطق نفوذ كل محكمة، و مهامها و مسؤولياتها و صلاحياتها في مناطق الريف المحاصر عمومًا.
و للوقوف على ماهية العلاقة بين المحكمتين، و طبيعة عمل كل منهما، أجرى عدد من الناشطين الإعلاميين في حمص حوارات مع ممثلين و شيوخ في المحكمة الشرعية العليا، خصّوا بها موقع “مرآة سوريا”.
و في سؤال عن العلاقة التي تربط جبهة النصرة بالمحكمة العليا، و مدى التنسيق بينهما، أوضح الشيخ “جمال الأشقر”، أنّ “علاقتنا بالنصرة جيدة رغم عدم توقيعها على ميثاق المحكمة العليا في حمص، نتيجة بعض الظروف الإيديولوجية الخاصة بها”، و قال:” في حال وجود دعوى بين الجبهة وطرف آخر و اتفاقهما على تحكيم المحكمة العليا لحل النزاع بينهما، فإن ممثل النصرة يقوم بحضور الجلسات” منوهًا إلى أنّ “النصرة لا تتدخل في الأحكام التي تصدرها المحكمة العليا في حمص، وتصر على استقلالها عنها”.
و برر “الأشقر” تنسيق المحكمة العليا مع فصيل ينفرد بقضاء مستقل به، دون أن يوقع على ميثال المحكمة العليا الذي توافقت عليه جميع الفصائل الفاعلة في المنطقة، بأنّ المحكمة العليا تنسق مع جبهة النصرة “كونها فصيل موجود على الأرض، و له ثقله”، مؤكدًا على توجيه العديد من الدعوات لقادة الجبهة بضرورة توحيد الصف و التوقيع على ميثاق المحكمة العليا “للوصول إلى كيان قضائي مؤسساتي يضم جميع الأطراف”.
و أوضح “الأشقر” أنّ جميع هذه الدعوات قوبلت بالرفض من قبل جبهة النصرة، “فارتأينا أنّ التنسيق معها أفضل من المصادمة”، مؤكدًا على أنّ الاجتماعات مع النصرة مستمرة و “محاولات توحيد الصف قائمة، للوصول على أقل تقدير إلى توقيع تفاهم بين النصرة والعليا على تحديد الصلاحيات و المناطق التابعة لكل من الطرفين”.
و شهدت الأيام القليلة الماضية مشكلة أخذت صداها الإعلامي في منطقة ريف حمص الشمالي، إثر قيام إحدى مجموعات جبهة النصرة بالسيطرة على مقر تابع لفصيل “لواء جعفر الصادق”، و اعتقال جميع العناصر الذين كانوا بداخله، الأمر الذي وجهه “أبو ربيع الأثري” قائد اللواء، إلى المحكمة الشرعية العليا مباشرة مطالبًا إياها بحل المشكلة و رفع يد “النصرة” عن المقر و إطلاق سراح المعتقلين و الكف عن ملاحقة عناصر اللواء في المنطقة.
و استفسر الإعلاميون من الشيخ “خالد الخطيب”، ممثل المحكمة العليا عن ظروف هذه الحادثة، فأكّد “الخطيب” أنّ “لواء جعفر الصادق” هو أحد الفصائل الموقعة على ميثاق المحكمة العليا، بالإضافة إلى جميع كتائب منطقة دير بعلبة المنضوية تحت المجلس العسكري الأول و الثاني.
و كانت المحكمة العليا في حمص قد أصدرت في وقت سابقٍ بيانًا يدين اقتحام أي فصيل لمقرات فصيل آخر دون الرجوع إليها و أخذ إذن و موافقة واضحة من شرعييها.
و تعليقًا على حادثة اقتحام “النصرة” لمقر “جعفر الصادق” قال “الخطيب”:” جبهة النصرة تجاوزت المحكمة العليا باقتحام مقر لواء جعفر الصادق، إلا أن عناصر اللواء سيتم تحويلهم إلى المحكمة العليا بعد إنهاء بعض الإجراءات لدى النصرة، و تواجد عناصر النصرة في مقر اللواء ليس من باب الاستيلاء على المقر، وسيتم حل هذا الإشكال خلال الأيام القادمة، ونبذل جهداً كبيرا لحل القضية و نقوم بالتواصل مع النصرة لتسليم القضية للمحكمة العليا بأسرع وقت”.
و حول موقف المحكمة العليا من “تنظيم الدولة” أوضح “جمال الأشقر” أنّ المحكمة قامت في وقت سابق بتوزيع 200 نسخة على أبواب المساجد تبين بشكل واضح تجريم من يأوي عناصر التنظيم و يقدم لهم أي نوع من المساعدات”، مبينًا أنّ “المحكمة أعادت التذكير بذلك بُعيد مقتل “رافد طه” أحد أبرز قادة التنظيم في الريف الشمالي مؤخرًا”.
و وجه الإعلاميون سؤالًا حول قصور أداء المحكمة العليا، فأوضح “الأشقر” أنّ القصور يتعلق بالجانب الإعلامي، بالإضافة إلى ضعف الدعم المادي و الذي حاولت المحكمة العليا تداركه بتشكيل لجنة مدنية برئاسة أحد المهندسين مهمتها تحديد الأراضي الزراعية المصادرة من “الشبيحة” لصالح المحكمة ليتم تسخيرها للصالح العام”، مبينًا أنّ “إيرادات تلك الأراضي ستوجهها المحكمة لصالح دعم الخبز بالدرجة الأولى ولكنها واجهت عدة عراقيل من بعض الفصائل التي تسيطر على أجزاء من تلك الأراضي ولم يتم حلها حتى الآن”.
و يخضع ريف حمص الشمالي لحصار كامل يفرضه جيش الأسد و الميليشيات المحلية و الأجنبية الموالية له، حيث يسهم في حصاره وجود العشرات من القرى المؤيدة الملاصقة للبلدات المحررة، و التي تتخذها الميليشيات الشيعية معاقلًا و مراكزًا لقصف المناطق المحررة.
و شهد الريف الشمالي قبل أشهر حملة واسعة ضد تنظيم الدولة جاءت بإقرار المحكمة الشرعية العليا و محكمة جبهة النصرة، تم على إثرها اجتثاث وجود التنظيم من المنطقة بشكل كامل.