من بين عشرات الولايات والمدن التركية التي انتشر فيها مئات الآلاف من السوريين الهاربين من جحيم الحرب في بلادهم، لم يظهر اسم ولاية قونية كثيراً إلى الإعلام فيما يتعلق بظروف حياة اللاجئين السوريين القاطنين فيها رغم تواجد ما يقارب المائتي ألف نسمة يعيشون في هذه المدينة الصناعية الكبرى.
ورغم الطابع الديني المحافظ الذي يسود المدينة، ورغم كونها مسقط رأس أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء التركي وأكبر معاقل حزب العدالة والتنمية في تركيا، يعيش السوريون في قونية ظروفاً شبيهة بظروف السوريين في لبنان أو الأردن من حيث التضييق عليهم من قبل السلطات والأهالي على حد سواء، الأمر الذي يثير حالة من الاستغراب دفعت موقع مرآة سوريا للبحث والتحري حول الأسباب الحقيقة لهذا الوضع.
أولى مظاهر هذا التضييق (الرسمي) يمكن ملاحظته بوضوح عند التوجه لمديرية الأمنيات التي تقع في منطقة (ميرام) وسط المدينة، حيث يصطف عشرات السوريين يومياً لساعات وفي درجات حرارة منخفضة منتظرين دورهم للحصول على بطاقة التعريف (الكيمليك) البيضاء والتي توقفت السلطات التركية عن منحها للاجئين السوريين مؤخراً فارضة شروطاً تعجيزية لمن يود الحصول عليها.
أحمد 36عاماً وهو لاجئ سوري من ريف حلب الجنوبي، قال لموقع مرآة سوريا: أتيت إلى قونية منذ شهرين ولا أعرف عن زوجتي أو بقية أهلي شيئاً حيث افترقنا عن بعضنا بعد الحملة الأخيرة على منطقتنا، ولم يبق معي إلا أولادي الذين لا أستطيع أخذهم إلى مستشفى أو مستوصف أو أجلب لهم الأدوية بسبب عدم امتلاكي للـ(الكيملك)….أعطوني موعد في الأمنيات بعد ستة أشهر ومازلت أنتظر…
جميل وهو طبيب من ريف دمشق انتقل من إقليم هاتاي إلى قونية بحثاً عن عمل قال لموقعنا: أتيت لقونية بعدما سمعت عن وجود فرص عمل كثيرة فيها، وعندما سألناه عن اسم المستشفى التي يعمل فيها ضحك قائلاً: أعمل في مصنع لـ(البواري) الحديد لمدة 10 ساعات يومياً بالإضافة لساعتين على الطريق، وأتقاضى مايقارب الـ900 ليرة تركية….أولادي لم أتمكن حتى الآن من تسجيلهم في المدارس لأن إقاماتنا قد أصدرت من أنطاكية وعندما ذهبت إلى مديرية الأمنيات لنقل الإقامات قالوا لي بأن تنقل السوريين بين الولايات أصبح ممنوعاً إلا في حالات استثنائية خاصة.
وبسبب مشكلة عدم منح بطاقات التعريف أو عرقلة نقلها، فقد حرم آلاف الأطفال السوريين في قونية من التعليم في ظل غياب واضح للمؤسسات التربوية التابعة للائتلاف ولعدم قدرة اللاجئين السوريين على تعليم أبنائهم على نفقتهم الخاصة.
ولقطاع الصحة والعلاج شجون أخرى، فقد توقفت مشافي قونية عن إجراء العمليات الدقيقة كحالات نقل الأعضاء والبتور والجراحات العصبية، مهند شاب سوري مصاب بقصور كلوي كامل ويحتاج لعملية نقل لكلية تحدث لموقعنا قائلاً: أمنت متبرعاً للكلية، وفي حقيقة الأمر ليس متبرعاً وإنما شخص اتفقت معه على مبلغ مادي مقابل منحه الكلية، وبعد انتظار ثلاثة شهور ودفع مصاريف لإعداد الأوراق الثبوتية والانتظار فاجأتنا إدارة المستشفى بعدم قدرتها على إجراء العملية مجاناً بسبب تغير القوانين.
ولا تقتصر معاناة السوريين في قونية على استخراج بطاقات التعريف، أو عدم القبول في المشافي والمدارس بل تجاوز الأمر إلى حد امتناع المكاتب العقارية والمواطنين الأتراك عن تأجير المنازل للسوريين إلا بشروط تعجيزية.
أم سامر أرملة معها ثلاثة أطفال أكبرهم في سن الحادية عشرة، تجلس في غرفة واحدة استأجرتها من أسرة سورية أخرى تقطن في نفس المنزل قالت لموقع مرآة سوريا: أتيت من ريف حلب الجنوبي بعد أن تم قصف بيتي الذي تهدم بالكامل، نمنا في حديقة (مولانا) ثلاثة أيام حتى جاء أحد أهل الخير من السوريين واستأجر لي هذه الغرفة التي أعيش فيها مع أولادي.
تواصلنا مع المتبرع الذي رفض الكشف عن هويته، وعندما سألناه عن مشكلة إسكان السوريين في قونية قال: مشكلة السكن في قونية مشكلة معقدة جداً يتحمل السوريون أيضاً جزءاً كبيراً منها، وبحسب تعبيره فإن العديد من السوريين قاموا بممارسات سيئة أضرت بسمعة الشعب السوري….وعند استفسارنا عن طبيعة هذه الممارسات قال: هناك أمور كثيرة للأسف تبدأ من الضوضاء وعدم العناية بالنظافة أحياناً أو سكن عدد كبير من الشباب (العزاب) في منزل واحد ومايرافق سكن الشباب من إزعاجات للجوار في مجتمع محافظ كمجتمع قونية، مستأجر سوري يستأجر المنزل من صاحبه ثم يؤجره لعائلة أخرى بسعر مضاعف… استئجار المنزل على أساس جلوس عائلة واحدة فيه ليجلس فيه أحياناً أكثر من عشرين شخصاً….ولكن عند هذه النقطة بالذات استدرك قائلاً: لكن بالمقابل قد تضطر عائلة سورية لإيواء عائلة أخرى أو أكثر هربت من القصف وجاءت إلى تركيا…أين يذهب الناس؟
ويتابع محدثنا الذي يدير أعمالاً صناعية في مدينة قونية: تلك الأمور انعكست على تعامل الأتراك مع السوريين، لا يتم تأجير السوريين إلا بشروط تعجيزية حيث أن أول كلمة نسمعها عندما نطلب منزلاً لعائلة ما كلمة :(سوري يوك)..وإذا قبلوا قبلوا بأسعار خيالية تصل لـ1000 ليرة تركية، ومبالغ باهظ أيضاً للتأمين وعمولة المكتب العقاري.
كل صباح في قونية، يتوجه الآلاف من العمال السوريين صباحاً إلى أعمالهم في مصانعها الكبيرة، دون أن يظهر من بصماتهم في المجتمع سوى علاقة يشوبها الحذر مع المواطنين الأتراك والحرص على مهارة ورخص تكلفة العامل السوري المحتاج.