تختلف روسيا وأمريكا –ظاهريًا- حول ما بجري في سوريا، فروسيا تقف إلى جانب الأسد، بينما تمتلئ صفحات الجرائد اليومية، و المواقع الإخبارية الآنيّة، بتصريحات المسؤولين الأمريكيين المناوئة لنظام بشار الأسد.
طول أمد الثورة السورية التي ستدخل شهرها الخامس من سنتها الخامسة بعد يومين، أفضى إلى ظهور ما خفي من جسد الاتفاق الأمريكي-الروسي-الدولي حول روسيا، و إن كان ما يغطيه لا يتعدى كونه تصريحات عاطفية تصدر من وزراء خارجية الدول، لا تقي أطفال سوريا حر و فتك القنابل العنقودية، ولا تدفئ جسد لاجئ من برد مميت يتربّص بخيمته.
و الأسبوع الماضي كشف عورة هذه الاتفاقات السرية، و كانت ضحية ذلك بلدة وديعة، ما زالت –رغم جحيم الحرب- تحتفظ بلوحتها الخضراء التي خطّ عليها “الأتارب” عند مدخلها.
ارتكبت طائرات تحمل كل منها علمًا مختلفًا عن نظيرتها، مجزرة هي الثانية خلال أقل من أسبوع، و بحسب ما وثّقه جمعة علي، مراسل مرآة سوريا في حلب، فإنّ عدد ضحايا المجزرة الثانية التي ضربت البلدة يوم الجمعة 29 تموز/يوليو الجاري، وصل إلى 22 قتيلًا، جميعهم من المدنيين، وبطبيعة الحال معظمهم من النساء و الأطفال.
المجزرة الثانية تأتي قبل أن تجف دماء نحو 26 مدنيًا، قتلوا خلال “حملة جوية دموية” قبل أيام، طالت أحياء المدينة السكنية مباشرة.
يقول جمعة علي:”لا دماء شهداء المجزرة الأولى جفّت، و لا دموع أمهاتهم و أبنائهم و عائلاتهم توقفت بعد، إنّه الموت يحلّق من جديد في الأتارب، و يتلقّف أرواح 22 مدنيًا، على وقع ضحكات أمريكية روسية أسدية تشوبها ألحان عربية-دولية”.
لم يرتكب الأسد الذي التصقت باسمه آلاف المجازر اليومية في سوريا، وحده هاتين المجزرتين، بل كانت إلى جانبه روسيا بطائراتها الجديدة، و ذخائرها – قيد التجريب-، و أمريكا بطائراتها “الصامتة الفتاكة”.
يؤكد جمعة علي، كما غيره من ناشطي المنطقة الإعلاميين، و شهود عيان من سكان الأتارب، أنّ الطائرات التي تضرب البلدة مؤخرًا، هي طائرات تابعة للتحالف الدولي، و طائرات أخرى روسية، و أخرى تابعة للأسد.
و وجود هذا الكم من الطائرات في السماء، يستحيل إلا بوجود تنسيق محكم بين هذه الجهات، و وجود غرفة عمليات مشتركة تجمع ممثلين عن الأسد و أمريكا التي تقود التحالف الدولي، و روسيا، تنظم الإحداثيات، و مواعيد الغارات، و أهدافها و ما تعلق بذلك.
و يضيف مراسلنا في معرض تقريره:”اعتدنا على الطيران الذي يرتكب الجريمة و يغادر مكانها مؤقتًا، فيتسنى لنا إسعاف الجرحى و انتشال الضحايا، إلا أنّ الطائرات في الفترة الأخيرة، تواظب على التحليق في السماء بعد وقوع المجزرة، و تعمل على “قنص” أي راجل، أو راكب يهرع للمكان المستهدف بغرض الإسعاف، فيرتقي هو الآخر على نيّته الطيبة”.
يقول مطلعون إنّ التصعيد الجوي الكبير الذي تشهده حلب و ريفها، يأتي في خضم تنفيذ خطة ما زالت غير معلنة، قطباها أمريكا و روسيا، ولا شأن للأسد و لا الدول العربية فيها، يتطلب الإعلان عنها و تنفيذها، تهيئة الأجواء من حيث نفوذ المعارضة و أماكن سيطرتها، و نفسية الشعب السوري، و مدى تقبله لأي مطروحٍ.
و ترى المصادر ذاتها أنّ مجزرة الأتارب اليوم هي واحدة من حلقات مسلسل التمهيد لإعلان الخطة التي أخذ كيري و لافروف، و دي ميستورا بطبيعة الحال بوصفها “الخطة المميزة” كونها ستسعى إلى إيجاد حلٍ مجدٍ للحرب السورية، بحسب تصريحاتهم الأخيرة.
وفي خضم هذه الاتفاقات، تحرص قوات الأسد الهجينة بميليشيات حزب الله، و مقاتلي الحرس الثوري الإيراني، الذي يحوي مجموعات ميليشيوية تم تجنيدها على أساس طائفي، على التقدم قدر الإمكان في محافظة حلب، والتي دفعت الظروف الجديدة قوات النظام إلى إيقاف معركتها “الكبرى” كما وصفتها وسائل إعلام موالية، في ريف اللاذقية.