أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة خلال زيارته قبل يومين لمحافظة كيليس الحدودية الجنوبية، حول توجّه الحكومة نحو منح تسهيلات للاجئين السوريين الراغبين في الحصول على الجنسية التركية، موجة من الجدل في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
و أعلن أردوغان خلال زيارته لمحافظة كيليس التي تضم نحو 120 ألف لاجئ سوريّ، عن وجود توجّه جديد لدى الحكومة في منح تسهيلات أكبر للاجئين السوريين للحصول على الجنسية التركية، و امتلاكهم لحق المواطنة في تركيا.
هذه التصريحات قوبلت بردود فعلة متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي – كما رصد موقع مرآة سوريا-، فانقسم المغردون بين مرحب شاكرٍ، و بين رافض مستنكر.
و يأتي الشعب التركي في طليعة المنقسمين، حيث أكّد الآلاف من المغردين على أنّ منح المواطنة للاجئين السوريين سيضر تركيا اجتماعيًا و اقتصاديًا، متوسّمين بعبارات القومية التي ما فتئت الأحزاب المعارضة ترديدها، بالمقابل، ردّ الآلاف من المغردين على وسم أطلقه فريق الرافضين لتجنيس السوريين حمل عنوان “أنا لا أريد سوريًا في وطني”، و اتهموا المتهجمين بالعنصرية، و بالإساءة إلى صورة الدولة التركية الديمقراطية التي لا تميز بين الأعراق و الأجناس، بحسب تعابيرهم.
إقرأ: وسم (لا نريد السوريين في بلادنا) يحتل المرتبة الأولى على موقع تويتر في تركيا
الآراء المتباينة أيضًا وجدت بين المغردين السوريين أنفسهم، فراح بعضهم إلى القول إنّ الحصول على الجنسية، يضمن حقوق السوري في تركيا، خصوصًا في مجال العمل، كما أنّ انتهاء الحرب السورية لا يبدو أنّه في قريب الزمن، بينما قال بعضهم الآخر إنّهم يرفضون “منّة الجنسية”، مؤكدين على أنّ تواجد اللاجئين في تركيا مؤقت، و سيعودون بمجرد انتهاء الحرب أو تراجع حدتها.
و يجد بعض المطلعين أنّ توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمنح اللاجئين السوريين البالغ عددهم نحو 2.7 مليون، يأتي في سياق مشروع حزب العدالة و التنمية المرحلي، و الدائم، و تماشيه مع تطورات الأوضاع، خصوصًا و أنّ الحزب القائد للدولة في تركيا أبدى ليونة واسعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، داخليًا و خارجيًا.
و يضمن أردوغان أصوات الملايين من السوريين في حال حصولهم على الجنسية في أي انتخابات مرتقبة، فالرئيس التركي، و من خلفه حزب العدالة و التنمية، يتمتعان بقاعدة واسعة لدى السوريين.
إقرأ: هذه هي شروط الحصول على الجنسية التركية للسوريين و الأجانب
كما أنّ أردوغان يضمن تغييرًا ديموغرافيًا في المناطق الجنوبية و الجنوبية الشرقية و حتى الغربية، و هي مناطق ذات أغلبية علويّة، و كردية، معارضة لسياسة الرئيس التركي و حزبه الحاكم.
و يرى أردوغان أنّ وجود كتل كبيرة نسبيًا من المؤيدين – بالمطلق- له في مناطق تعتبر الأشد معارضة له في تركيا، بعضها متمرد، نصرٌ لا يستطيع تحقيقه دون السوريين، فأن تقلب منطقة معارضة يراك سكانها العلويون شريكًا في قتل أهاليهم و أقربائهم في سوريا، إلى منطقة موالية تهتف باسمك، إنجاز عظيم صعب أن يتأتى بطبيعة الحال.
و كانت السلطات التركية قد أوعزت مؤخرًا إلى التركمان السوريين في سوريا، وفي تركيا بالقيام بنشاط سياسي أكبر، و حثّتهم على الدخول في السياسة السورية، و الاشتراك في صنع القرار كجهة مؤثرة.
و يأتي حصول اللاجئين السوريين على الجنسية التركية – التي لن تسلب منهم الجنسية السورية- ترجمة أكبر للهدف بعيد المدى الذي يرنو إليه حزب العدالة و التنمية، و هو خلق “لوبي تركي” داخل أروقة الدولة السورية القادمة، عماده أصحاب الجنسية المزدوجة.
اللوبي التركي في سوريا، الذي تعمل السلطات التركية على تهيئة ظروف وجوده بشكل حثيث، سيمنح تركيا دورًا في رسم سياسة الدولة السورية، و في التحكم ببعض مفاصلها، كما انّه سيخلق كتلة قويّة مناوئة و رافضة بشدّة لتمرير أي اعتراف قانوني بدولة الأكراد المتاخمة للحدود الجنوبية التركية، في حال رضخت مكونات الشعب السوري المختلفة للاعتراف بها مستقبلًا.
التوجهات الجديدة للحكومة التركية التي يقود دفتها حزب العدالة و التنمية تعكس نيّة واضحة لتقليل عدد الأعداء، بعدما وصل الحال بتركيا خلال الأشهر الماضية إلى نقطة عادت فيها الجار و البعيد، بسبب سياستها الخارجية التي اعتمدت في كثير من الأحيان على الالتزام بتنفيذ شعارات حماسية أضرّت بالدولة سياسيًا و اقتصاديًا، و الارتياح في العلاقات الخارجية سينعكس بالضرورة على الوضع الداخلي الذي يعاني تشققات تظهر ملامحها بشكل دائم في ظل تراجع شعبية حزب العدالة و التنمية و فشل مكونات المعارضة في خلق بنية أو هيكل سياسي يرسم هدفًا واضحًا ينافس من خلاله الحزب الحاكم، و لعلّ اللاجئين السوريين من أبرز الأوراق المتاحة في يد الحكومة التركية حاليًا، و هي تخطط لاستغلالها داخليًا و خارجيًا بالوجه الأجدى.