مجلس الأمن وصراع القوى العظمى

بعد العام الأول للثورة بدأ التحول في أروقة السياسة العالمية لوصف ما يجري في البلاد بأنه أزمة أو قضية، وبالتالي تحول الموضوع لملف سياسي يتعين حله عبر تفاهمات واتفاقات بين القوى الإقليمية والدولية المؤثرة ميدانياً بتأمين مصالحها توازنات معقدة.

نشب الصراع المسلح بداية بين الجيش الحكومي التابع للنظام وميليشيا الدفاع الوطني من جهة مقابل قوات الجيش الحر الذي اقترب من تحقيق انتصار وشيك قبل أن تتدخل ميليشيا حزب الله اللبناني بقوة وعبر غطاء ودعم إيراني لتنقذ الموقف ومن ثم توسع ظهور وانتشار الميليشيات الشيعية الطائفية المؤازرة للنظام والقادمة بشكل رئيسي من العراق وأفغانستان.

وفي المقابل فإن نفوذ الجيش الحر بدأ يتراجع باستمرار لصالح قوات وفصائل إسلامية متعددة بعضها مرتبط بتنظيم القاعدة الموضوع على لائحة الإرهاب العالمي، وكان ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة والتنظيمات المشابهة ضربة قاصمة لظهر الثورة وذلك عبر تحولها للاقتتال العنيف فيما بينها وقيامها بممارسات مرفوضة ومتشددة تجاه الأهالي في مناطق نفوذها ومن ثم قيام تنظيم الدولة بعمليات إرهابية ضد أهداف مدنية في الغرب، وباتت تلك القوى هي التي يفترض أن تتمثل بها الثورة في الميدان.

ظهرت القوات العسكرية الروسية في سورية منذ عام ونيف وجاء ذلك بسبب الانهاك التام الذي أصاب قوات النظام وتحالفاته الميليشياوية، ويبدو أن ذلك جاء باتفاق خفي أو حتى تفويض من الغرب، بحيث تقوم روسيا بالضغط على النظام لتحقيق حل سياسي مقبول وفي مقابل ضمان مصالحها ينبغي عليها القيام بمحاربة تنظيم الدولة. وكان قد سبق ذلك ظهور قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لتوجيه ضربات جوية باستمرار لمواقع تنظيم الدولة، وحدث التدخل العسكري التركي مؤخراً عبر دخول قوات تركية وقيامها بمساندة بعض فصائل الجيش الحر للسيطرة على مناطق محاذية للشريط الحدودي ويبدو أن ذلك حصل باتفاق مع الروس لأن أهداف تركيا كانت محدودة وترمي لدفع خطر قيام دولة كردية شمال سورية.

يبدو أن الغرب أعطى الروس مدة محددة لإنهاء المهام المتفق عليها معه وتتمثل بالقبول بإيجاد حل سياسي مقبول عبر الضغط على النظام مع السماح لروسيا بمصالح في المنطقة مقابل قيامها بمحاربة تنظيم الدولة، وكان يظهر ذلك من خلال صبر الغرب لعام على كافة التصرفات الروسية واستيعابها، وقد سادت حالة من الريبة والشك بالفعل في الأوساط السياسية من وجود تواطئ أمريكي عبر اتفاق خفي مع الروس وكان يتم النظر باستغراب لمواقف كيري المتراخية تجاه تصريحات لافروف النارية.

يبدو أن الروس قد ذهبوا أكثر مما ينبغي وتجاوزوا حدود الاتفاقات مع الغرب، فقد أصدر مجلس الدوما قانوناً يتيح نشر قوات روسية فوق الأراضي السورية لمدة مفتوحة وغير محددة، كما أنه أعلن عقد جلسات لبعض لجانه البرلمانية فوق الأراضي السورية، وفي ظل صدور ذلك من طرف واحد وبدون موافقة ولو شكلية من مجلس الشعب التابع للنظام، فإن ذلك يعني رسمياً أن سورية باتت تحت الاحتلال الروسي، ويشكل ذلك بالطبع تحدياً من قبل روسيا للغرب بأكمله ولا يمكن تحت أي مسمى توقع قبول الغرب بنفوذ واسع وغير محدود للروس في المنطقة التي يمتلكون فيها مصالح واسعة.

ربما سيدفع العالم بأسره ثمن السياسات الأمريكية الخرقاء ومراهنتها على الروس لإنهاء الملف السوري، ولا شك أن الصراع بينهما سيأخذ أشكالاً متعددة، وقد بدأت بوادر المواجهة عبر تصريحات عنيفة من الجانب الأمريكي للمرة الأولى وردود فعل روسية سريعة عليها، وفي محاولة لاحتواء الموقف أعلنت فرنسا عن قيامها بدور الوسيط ليعود وزير خارجيتها بخفي حنين من عدم التجاوب الروسي معه وليتقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن قد يكون بداية للحل ولكن الروس قاموا بمواجهته سريعاً عبر تقديم مشروع مضاد، وفي حالة نادرة سيقوم مجلس الأمن بالتصويت على مشروعي قانونين متضادين من دولتين دائمتي العضوية وبنفس التوقيت.

لا يتوقع أن تفضي جلسة مجلس الأمن لشيء ملموس وسيبقى دوره معطلاً على الدوام كما كان منذ بداية الثورة السورية، وسيتخذ الصراع بين الروس والغرب أشكالاً متعددة أهمها اقتصادية وفي آخرها ربما تقع المواجهة المباشرة، وما تبحث عنه الإدارة الأمريكية الآن هو كيفية الخروج من سياساتها الخاطئة في المنطقة وكيفية لجم الدور الروسي وإعادته لمساره المتفق عليه وبنفس الوقت تجنب المواجهة المباشرة، وكما يظهر فإن المطلوب معجزة لتحقيق ذلك.

الشعب السوري الواقع تحت الاحتلال الروسي لن ينتظر شيئًا من مجلس الأمن، مجلس الأمن يصدر قراراته بالإجماع ويسر وسهولة وخلال دقائق ولكن فقط عندما تتفق الدول العظمى على تقاسم المصالح والنفوذ فيما بينها.

أضف تعليق