لم تسقط حلب اليوم أو البارحة أيها السادة، والعجيب أن ترى من يسأل أو يكتب ويبحث ,ويتساءل لم سقطت حلب.
كان كل شيء واضحاً أمام عيوننا لكننا لم نكن نريد أن نصدق الفاجعة القادمة، كنا نعيش على أمل مخادع، ننتظر معجزة ما أرضية أو سماوية تهبط علينا فجأة لتكون خشبة الخلاص لنا قبل غرق مركب الثورة الذي يقلنا.
أين كنا أيها السادة يوم سقطت بابا عمرو وحوصرت حمص وهجر أهلها، هل كنا نظن أن تلك الحالة لن تتكرر في مناطق أخرى، ومع ذلك تكررت كثيراً في الزبداني ومضايا وداريا والمعضمية … و…و…. ولم يكن الدرس كافياً لنأخذ العبرة والموعظة ونعيد قراءة المشهد من جديد لوقف نزيف الدم وهجرة البشر ودمار الحجر، وكأننا لم نسمع يوماً بالمثل القائل أكلنا يوم أكل الثور الأبيض.
سقطت حلب أيها السادة يوم فشل المجلس الوطني في تمثيل الثورة ودخل في دوامة لا تنتهي من الخلافات والانشقاقات ومن ثم سقط، و يوم جاء ائتلاف وطني هجين تابع لدول تدعي صداقة الثورة لكن أولى مهامه كانت وأد الثورة والشروع في التفاوض على تسوية مذلة مع النظام ومن وقتها بدأ مسلسل تنازلات لا ينتهي يقدمها الائتلاف لصالح نظام ضعيف وآيل للسقوط.
سقطت حلب أيها السادة …
يوم تولى أكثر الناس جهلاً بالحرب والعلوم العسكرية قيادة الكتائب والعمل المسلح، وباتوا يشكلون كتائب تناسب توجهات الداعمين، يتم تسيير المقاتلين لمعارك تخدم الخارج وليس الثورة.
و يوم تولى قيادة العمل السياسي هواة ومتدربون فاشلون قاموا باستبعاد وإقصاء الخبرات الوطنية خوفاً على مصالحهم، وباتوا رهناء في فنادق الخمس نجوم يأكلون ويشربون ويمرحون ومن ثم يصابون بالتخمة والبلادة وقلة الإحساس والضمير ولا يعرفون كيف يعيش الناس تحت قصف البراميل.
يوم جاءت حكومة مؤقتة بعد مخاض عسير لتتحول بسرعة إلى ممارسة السرقة والفساد المريع ومن ثم كان فشلها الذريع طامة كبرى على رؤوسنا جميعاً.
[perfectpullquote align=”left” cite=”” link=”” color=”” class=”” size=””]لم تسقط حلب اليوم أيها السادة…هي سقطت في ذلك اليوم الذي سقطنا نحن فيه في الحفاظ على اتجاه بوصلة الثورة كماا بدأت…ثورة للحرية والكرامة.[/perfectpullquote]
يوم ترك الشيخ مكانه الطبيعي في تحفيز الناس ودفعهم للصمود واليقين بالنصر ليستلم مهام القائد العسكري والسياسي والقاضي بأمر الله.
يوم باتت المحاصصة هي العامل الأول في البدء بأي عمل، وغابت معايير تحقيق أهداف الثورة عن الأولويات.
يوم جاءت جماعات الإسلام السياسي وظنت أنها تستطيع الاستفراد بالساحة السياسية والعسكرية ومن ثم استلام السلطة وأولها جماعة الإخوان المسلمين، فقدمت بعض الشخصيات لتختبئ وراءها إلى حين تأتي الفرصة، ومن خلال تلك الجماعات تسربت القاعدة والنصرة وكل إخوة المنهج الذين أضاعوا الثورة.
يوم جاء المغتربون من الخارج مع بداية الثورة وخاصة من له ثأر مع النظام ويتمنى سقوطه السريع، لكن الكثيرين منهم كانوا ينظرون إلى الثورة كعمل ومكسب وعندما تقلصت مكاسبهم تركوا الثورة وحيدة في مهب الريح.
يوم تمت تصفية خيرة ناشطي الثورة من قبل النظام، ومن ثم قامت المنظمات الوليدة بالقضاء على ما تبقى منهم عبر تهجيرهم وتصفيتهم ودفعهم للجوء أو القيام بأعمال بعيدة عن الفعاليات الثورية.
يوم فشلنا في صناعة إعلام يستطيع تقديم الصورة الحقيقية عن الثورة وخاصة للخارج، وتحول ما يسمى إعلامنا الثوري إلى دكاكين للارتزاق والمهاترات.
يوم ابتعدنا عن الثورة وتحولنا للتنظير والسفسطة والبحث عن نظام الحكم ولون وشكل علم البلاد.
يوم بات بعضنا يأكل لحم بعض، حيث فقدنا روح المحبة والتعاون وانتقلنا لممارسة المكائد والضغائن والأحقاد.
يوم تركنا أهلنا في الداخل والمخيمات لوحدهم يعانون شظف العيش وأبشع ظروف الحياة، لا بل قام بعض الأنذال بسرقة المعونات التي قدمت لهم.
يوم نصبت كل منطقة قادتها وأمراءها وشرعييها، وتركت النظام يسرح ويمرح في مناطق نفوذه كما يشاء بانتظار أن يلملم صفوفه ويطلب النجدة من الخارج.
لم تسقط حلب اليوم أيها السادة…هي سقطت في ذلك اليوم الذي سقطنا نحن فيه في الحفاظ على اتجاه بوصلة الثورة كما بدأت…ثورة للحرية والكرامة.
حلب اليوم ومن قبلها وبعدها من المناطق تحاكمنا جميعاً وتصدر حكمها القاسي علينا … سقطنا نحن ولم تسقط حلب .. ولن تسقط ..
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “مرآة سوريا”