جرت محاولات عديدة وعلى مدى سنوات لتوحيد فصائل وكتائب الجيش الحر الكثيرة، ومع أنه تم بالفعل تشكيل مجلس عسكري أعلى ينبثق منه هيئة أركان وفيما بعد وزارة للدفاع، إلا أن عمل تلك الهيئات العسكرية لم يكن بالمستوى المطلوب وفشلت في تحويل تلك الكتائب لجيش نظامي منضبط يخضع لقرار المعارضة السياسية من أجل أن يتم تأمين الدعم المناسب له من مجموعة دول الأصدقاء والداعمين.
يمكن طرح تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة عن أسباب تراجع دور وفعالية الجيش الحر في الميدان وعدم قدرته على توحيد صفوفه ومن يقف وراء ذلك، ولكن الغريب أن يكون الداعمون المفترضون للجيش الحر أنفسهم هم السبب الحقيقي في تقليص حجم الجيش الحر ميدانياً بسبب تقليص دعمهم له بشكل كبير، وساعد ذلك على تنامي دور الكتائب الإسلامية والجهادية والقاعدية بشكل واسع ومطرد وهيمنتها في النهاية على القرار الميداني للمعارضة وصبغ العمل العسكري للمعارضة بصبغة إسلامية تحت مسميات مختلفة، وأدى ذلك بطبيعة الحال لفقدان المعارضة السياسية أي نفوذ ميداني يمكنها من الدخول في لعبة التفاوض مع النظام بقوة.
لا يمكن القبول بتفسير ما حصل للجيش الحر لمجرد فشل موضوعي للدول الداعمة فهي قادرة على تأمين مختلف أشكال الدعم وفرض هيكلية مؤسساتية للجيش الحر، ومن المنطقي التساؤل والبحث بدون براءة عن دوافع غير معلنة لتلك الدول أدت في نهاية المطاف لظهور تنظيمات كداعش والنصرة وسواها من أجل تحقيق أجندة سياسية تخدم المصالح القومية لتلك الدول، ولا يمكن تبرئة أي دولة داعمة من هذا الاتهام، وربما قيام كلينتون وبشكل مباشر باتهام الرئيس أوباما بصناعة تنظيم داعش تقدم دليلاً أولياً على تآمر الدول الداعمة ضد الجيش الحر والثورة السورية وبلا شك ستظهر المزيد من الأدلة الحقيقية في نفس الإطار فيما بعد.
بالمقابل وبعد توسع نفوذها الميداني بشكل كبير فإن الكتائب الإسلامية المختلفة لم تستغل الفرصة بالشكل المطلوب وتحقق مزيداً من الانتصارات الميدانية بل وقعت بينها خلافات شديدة أدت لنشوب قتال عنيف ودامٍ فيما بينها في نهاية المطاف.
“لا يمكن القبول بتفسير ما حصل للجيش الحر لمجرد فشل موضوعي للدول الداعمة فهي قادرة على تأمين مختلف أشكال الدعم وفرض هيكلية مؤسساتية للجيش الحر، ومن المنطقي التساؤل والبحث بدون براءة عن دوافع غير معلنة لتلك الدول”
إذا كانت الحرب معلنة بين تنظيم الدولة من جهة وكافة القوى العسكرية الأخرى من معارضة ونظام وتحالف من الجهة الأخرى، فأن الكتائب الإسلامية الأخرى بقيت تحظى بدعم سواء من الدول الداعمة أو المعارضة السياسية لاستمرار عملها وصمودها خاصة في محطة حلب الأخيرة، لكنها فشلت في توحيد قواها في لحظة مصيرية حاسمة في عمر الثورة السورية فخسرت التأييد والحاضنة الشعبية بشكل شبه نهائي بعد فشلها في التصدي ومقاومة الميليشيات الشيعية وتقديم الحماية للمدنيين في شرق حلب ومنع عملية تهجيرهم وتشريدهم.
ربما تكون قد فاتت الفرصة بشكل نهائي على الكتائب الإسلامية لتوحيد صفوفها والانطلاق من جديد في عمل عسكري منظم يعيد التوازن ولو قليلاً في المشهد الميداني أو يحد من تقدم النظام والقوى والميليشيات الداعمة له، وأعتقد أن مجريات الأمور لم تعد تسير لصالح استمرار كتائب تحت مسميات وبرامج وشعارات إسلامية حتى لو استطاعت التوحد بالفعل.
لن تستطيع تلك الكتائب العودة لكسب ثقة وتأييد الحاضنة الشعبية بسهولة، كما أنها ستكون السبب والذريعة لروسيا والنظام لمعاودة سياسة الأرض المحروقة من جديد ولكن هذه المرة في إدلب، وفي ظل التوافق التركي الروسي وبنوده غير المعلنة لن يتم السماح للكتائب الجهادية من العودة لقوتها وهيمنتها السابقة.
دخل الجيش التركي الأراضي السورية وقام بتحرير قسم منها من يد تنظيم داعش وكانت قوته الأساسية من كتائب وأفراد أقرب للجيش الحر، وبالتالي فإن الجيش التركي سيستمر في سياسة احتواء الكتائب وتنظيمها وتأطيرها تحت سيطرته، وفي الجنوب فإن هدوء الجبهة وإمكانية السيطرة على الكتائب وتحركاتها يعطي مؤشراً على إمكانية تحويل كتائب الجنوب لقوة منظمة موحدة.
يضاف إلى ما سبق وجود قوات سورية الديمقراطية التي تحظى بدعم ورضى وتنظيم أمريكي مباشر وقد انضمت إليها قوات النخبة مؤخراً.
ما تبقى من كتائب وقوات للمعارضة في إدلب والغوطة الشرقية والغربية وريف حمص الشمالي ودير الزور ستواجه أخطاراً كبيرة ومن المتوقع أن يقوم الروس بممارسة سياسة الأراضي المحروقة عليها من جديد كما حصل في حلب مؤخراً وليس من المتوقع أن تقوم تركيا بمواجهة مع الروس لوقف ذلك، وفي ظل مخاوف سكان تلك المناطق من تكرار مأساة حلب فإنهم سيضغطون لتغيير تلك الكتائب نهجها وتوجهاتها وفي حال موافقتها على القيام بذلك تفقد مبررات بقاءها ولا يبقى أمامها سوى التحول لجيش منظم تحت راية ودعم الجيش التركي.
يتجه المشهد الميداني لتحويل قوى وكتائب المعارضة ضمن جيوش وفرق عسكرية منظمة، في المقابل ليس من المفهوم كيف ستقوم روسيا بضبط أداء الميليشيات الشيعية وهل سيستمر بقاؤها على الأراضي السورية وكيف يمكن تبرير ذلك وشرعنته ؟ هل سيتم تكرار تجربة الحشد الشعبي في العراق ؟
ربما لا ترغب الدول العظمى في انطلاق عملية تفاوضية قبل السيطرة على الوضع الميداني وتحريكه وفق الأجندة السياسية لها، وهنا نعود لنقطة البداية في جنيف 2 عندما طلب النظام توحيد قوات المعارضة والنظام ومن ثم التحول لمحاربة الإرهاب ومن أجل ذلك يتم تأجيل القتال مع داعش، وبعدها الانتقال للحل السياسي.
هذا الواقع الأليم للثورة مسؤولة عنه المعارضة السياسية والعسكرية والقوى الداعمة ومن الصعب إقناع الكتائب الإسلامية بالتراجع والقبول بأهداف ومبادئ وشعارات الثورة السورية الوطنية.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “مرآة سوريا”