في هذا الاستطلاع، وهو الجزء المكرس لإنجازات الثقافة العربية، خلال العام 2016، خاصة في مجال الأدب (الرواية والشعر والدراسات النقدية) يجيب عدد من الروائيين والنقاد العرب عن مجموعة أسئلة من قبيل: ما أهم الإنجازات التي قدمتها الثقافة العربية؟ وما الذي قصّرت هذه الثقافة في إنجازه؟ ما هي أبرز الظواهر الثقافية التي غزت الساحة العربية، وشكلت استجابات لأسئلة أو تحديات أو أفكار شاغلة؟ ما هي حصة الأدب النسوي من المنجز الثقافي العربي في العام الجاري وما رأيكم فيه؟ ما هي أفضل الكتب التي قرأتموها خلال العام في الشعر والرواية والفكر والحقول الأخرى التي تهتمون بها، وأين تكمن أهميتها لكم؟
مبادرات تحفيزية
يعتقد الروائي أمير تاج السر أن مبادرة عام القراءة التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد في دبي، وحباها بالدعم اللازم، ونظمت من أجلها المسابقات، حفزت الآلاف على استعادة لياقتهم القرائية، إن كانوا قراء شغلتهم الحياة، أو التعرف على القراءة إن لم يكونوا كذلك. ويضيف تاج السر أن المئات من الكتب نُشرت، والعشرات من الندوات الثقافية أقيمت هنا وهناك، وشارك في بعضها، لكنه يرى أن هذه المبادرة كانت من الظواهر الثقافية الكبرى في العام الماضي، معتبرا إياها إنجازا للثقافة العربية بشكل أو بآخر، ويتمنى أن تنتقل إلى دول أخرى. أما ما لم تنجزه الثقافة العربية، فهو وضع الأدب العربي في مرتبة جيّدة خارج العالم العربي، بمعنى لا توجد مؤسسة متخصصة بترجمة الأدب العربي إلى اللغات العالمية وتسويقه.
النخبة الثقافية العربية تواصل سلبيتها، هروبا وصمتا مما يجري في الوطن العربي من خراب وعنف وتطرف ورجوع إلى الوراء
وأشار تاج السر، في ما يتعلق بأبرز الظواهر الثقافية، إلى أن مبادرات القراءة تظل ظواهر جديرة بالتوقف عندها، والاتجاه إلى الكتابة للأطفال والناشئين محور يجدر التوقف عنده أيضا، ولاحظ خلال العام 2016 زيادة في دور النشر التي تهتم بأدب الطفولة، وتسعى إلى ترسيخه في الحياة الثقافية العربية. وعن حصة الأدب النسوي يقول إنه لا يصنف الكتابة إلى ذكورية ونسوية، والأدب المكتوب من قبل النساء أصبح في رأيه مرادفا لأدب الرجال، ويستشهد بقوائم الجوائز التي باتت محتشدة بأدب المرأة، مؤكدا وجود أدب عظيم حققته بعض الكاتبات، مثل روايات سوسن حسن، ومها حسن، وشهلا العجيلي، وبدرية البشر، والكثير من الأعمال في مصر والسودان، والدول الخليجية.
أما الكتب التي قرأها تاج السر وأعجبته فهي كثيرة، منها رواية “المئوي الذي قفز من النافذة واختفى”، للسويدي يوهان يانسون، وقد أحبها لأنها كتبت بمرح كبير، وبغرائبية تشبه الواقع جدا. وفي الشعر أعاد قراءة دواوين لشعراء قدامى بالعامية السودانية، وهي محطات يستلهم منها، مثل ديوان الحردلو، وفي ما يخص الكتب الأخرى، يقول إنه قرأ هذا العام كتب ألبرتو مانغويل عن القراءة والمكتبات فشدته كثيرا.
الإرهاب الثقافي
يرى الناقد علي حسن الفواز أن من الصعب الحديث عن إنجاز فاعل وحقيقي للثقافة العربية، إذ يعيش المثقفون رعب الصراعات الأهلية، ومحنة العنف والتطرف ورهاب العديد من السلطات العربية، مثلما هو فقدان هذه الثقافة لأيّ أفق حرّ لاستيعاب متغيرات الوجود، وتحولاته الثقافية والاجتماعية والسياسية، ولعل من أبرز مظاهر القصور الثقافي العربي غياب العمل المؤسسي المشترك، ورثاثة صناعة الرأي العام الثقافي الذي يعيش فرجة المذابح التي يتعرض لها المدنيون في العديد من المدن العربية، وسوء توزيع الكتاب العربي، وهامشية معارض الكتب.
غياب التنمية الثقافية
ويتابع الفواز قائلا “إن طغيان العشوائية السياسية قد يكون ظاهرة ضاغطة على العقل الثقافي العربي، فالكثير من المثقفين العرب متورطون في خدعة السياسي السلطوي، وعاطلون عن مسؤولية المواجهة، فضلا عن بروز ظاهرة الإرهاب الثقافي وتداوله على مستوى الخطاب، أو على مستوى الجماعات، وفي وسائل الإعلام ومجالات التواصل الاجتماعي، حتى بات السؤال الثقافي معزولا وعاطلا وسط هيمنة الشعبويات، والشعارات، وردّات الفعل غير العاقلة وغير المسؤولة.
ويلفت الفواز النظر إلى فضاءات النشر التي أصبحت مفتوحة، وبلا رقابة، وحتى بلا تخطيط، لكن ما وجده في هذا العام سعة مقبولة لنشر الأدب النسوي، ولا سيما في مجال الدراسات النقدية، مشيرا إلى أنه قرأ في هذا السياق كتاب “التجريب في الرواية النسوية” للباحث سعيد حميد كاظم، و”الهوية والاختلاف في الرواية النسوية في المغرب العربي” للكاتبة سعيدة بن بوزة، والعديد من الروايات العربية.
أما أهم الكتب التي قرأها فيذكر منها، في حقل الدراسات “الاستشراق” لإدوارد سعيد وترجمة نذير جزماتي، و”من سجن النص إلى فضاء التأويل” للناقد فاضل ثامر، و”الرثاثة في العراق” للكاتب فارس كمال نظمي، و”السرد التشكيلي في المملكة السوداء” للكاتب والفنان التشكيلي شاكر حمد، و”الأنتلجنسيا العراقية في عالم علي بدر الروائي” للباحث محمد المشلب. وفي المجال السردي رواية “السبيليات” للروائي إسماعيل فهد إسماعيل، ورواية “بريد الجحيم” لإيناس عبدالله، وهي رواية تتناول القضية الفلسطينية برؤية مغايرة، ومفارقة لما هو غاطس في الذاكرة الجمعية، ورواية “أبناء الماء” للروائي عواد علي، لمعاينتها وجع الاغتراب العراقي الذي تعيشه الحيوات العراقية في المهجر، وتعالق هذا الاغتراب بالفقد الروحي والمتاهة المكانية التي تسبب فيها الاحتلال، والصراع الأهلي في الداخل العراقي.
وفي الشعر يذكر الناقد ديوان “قارب إلى لسبوس: مرثية بنات نعش” للشاعر نوري الجراح، لجدّته في مواجهة نص المحنة، ورؤيته العميقة في رصد الوجع السوري، ولخصوصيته في توظيف الأسطوري/ الواقعي في معاينة محنة الإنسان إزاء الفقد والاغتراب والموت.
بين النص والواقع
ينفي الروائي وارد بدر السالم إمكانية تحديد منجز أدبي عربي كبير في مجالات الإبداع كافة، لكنه يشير إلى الانفجار الروائي العربي المستمر، الذي يبدو أنه لا يتوقف، نظرا إلى دخول أجيال أدبية في عالمه؛ فقد سجلت الرواية العربية حضورا دائبا، والدليل على ذلك الجوائز العربية، ودور النشر التي تطبع كل يوم حشدا روائيا لم يسبق له مثيل.. لكن هذا لا يعني أن السيل الروائي على نسق فني لافت للانتباه، ومن ضمنه الروايات التي فازت بجوائز البوكر وكتارا، إنما هي روايات عادية جدا. مقابل ذلك، يرى السالم حدوث تراجع شعري واضح هذا العام بسبب هيمنة الظاهرة السردية التي استقطبت المتلقي الخاص والعام بطريقة لا يمكن إنكارها. لقد ظل الصوت الشعري مقيّدا كما في الأعوام الماضية.
ويعتقد السالم بأن ظاهرة التشريح النقدي الديني يمكن أن تكون لها أولوية في مجال الدراسات التي جرى الاشتغال عليها في هذا الميدان، بعد كذبة الربيع العربي التي أورثت تناقضا منهجيا بين النص والواقع، وهو ما حفّز العديد من المتتبعين لهذه الظاهرة الكارثية بالتحليل والنقد والتشريح وفق منهجيات مفتوحة لقراءة الأثر النصي الديني بكل توابعه.
ويرى السالم أنّ التقنيات الإلكترونية الحديثة فتحت آفاقا صريحة لتدفق المعلومات وتيسير الاتصالات المتعددة، بما في ذلك عالم الفيسبوك اللامتناهي بجمالياته الإيجابية، وكذلك التويتر والإنستغرام. فقد أزالت المواقع التواصلية الحجاب الديني المتشنج وقلّصت المسافة بين الإنتاج والتلقي، وقراءة الآراء والأفكار بشكل مباشر من دون رقابة ولا وساطات.
ولا يجد السالم نصوصا روائية أو شعرية أو بحثية نسائية يمكن أن تتفرد بقيمتها الإبداعية على مستوى الوطن العربي، مؤكدا أن ما قرأه “يُعدُّ تحصيل حاصل لكاتبات مثابرات على الكتابة. لكن تمكن الإشارة إلى شيوع الكتابة النسائية على نحوٍ جيّد في أكثر من بلد عربي، نظرا إلى الانفتاح المباشر الذي وفّرته التقنيات الإلكترونية، وإتاحتها الفرصة لتوطيد الصلة بين القراءة والإنتاج”.
رجوع إلى الظل
لم يرصد الناقد نجم عبدالله كاظم شيئا متميزا مضافا هذا العام، ويؤاخذ النخبة الثقافية العربية على تواصل سلبيتها، بالهروب والصمت، مما يجري في الوطن العربي من خراب وعنف وتطرّف ودكتاتوريات وقمع ورجوع إلى الوراء. ويعتقد بأن أبرز الظواهر الثقافية التي غزت الساحة العربية في العام الجاري ظاهرة انخراط بعض المثقفين، ولا سيما الإعلاميين في جل البلدان العربية، في ما يجري سياسيا واجتماعيا من تيه وتخبّط وإضاعة طريق.
وعن الأدب النسوي يقول كاظم “إنه عزز المنجز الثقافي بمواصلة ما بدأه من نهضة بداية التسعينات”، لكنه يتمنى لو يستطيع نسيان ما قادت المرأةَ إليه التياراتُ الدينية ذات الطابع المتخلّف، وليس الإسلامية الحقة، من انزواء وتخلف ورجوع إلى ظل الرجل. أما في ما يتعلق بأفضل الكتب التي قرأها خلال العام، فيقول “لم أقرأ شيئا مهمّا في الشعر. أهم الروايات التي قرأتها “جائزة التوأم” للعراقية ميسلون هادي، و”جينات عائلة ميرو” للسوداني علي أحمد الرفاعي، وهي إحدى الروايات المخطوطة الفائزة بجائزة كتارا هذا العام، وفي الحقول الأخرى كتيّب “الوجودية” لتوماس فلاين، بالإنكليزية.
ويتابع الناقد كاظم مبينا أنه لم يلمس شيئا في ما يخص حضور التنمية الثقافية في الذهنية العربية، ربما باستثناء ما استقرأه من طموح ونوايا في جائزة كتارا للرواية في قطر. ويؤكد أن المتغيرات السياسية كان لها تأثير كبير على المنتج الثقافي والتحولات الثقافية، وتحديدا في تخطي نسبة لا بأس بها من الكتّاب للمحاذير والتابوهات والخوف.
العرب