بعد الفشل المتكرر لمجلس الأمن في اتخاذ قرار بمحاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب في سورية لاصطدامه بالفيتو الروسي باستمرار، كان لا بد من اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة لأن عملية اتخاذ القرار فيها تتم بغالبية الأصوات، وهذا ما قامت به قطر عندما تقدمت بمشروع قرار مشترك مع ليشتنشتاين من أجل الشروع بوضع إجراءات تنفيذية لمحاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب.
تبنت الجمعية العامة مشروع القرار بعدما صوتت 105 دولة لصالحه وعارضته 15 دولة فيما امتنعت 52 دولة عن التصويت، وبذلك سينتقل المجلس لوضع اللوائح التنفيذية للمباشرة في تنفيذ القرار.
جرت مناقشة مشروع القرار وسط أجواء حادة غير مسبوقة، فقد حاولت الدول المعترضة على القرار تعطيل طرحه على التصويت وكان لديها في الواقع حجتان قويتان لدعم مواقفها : الحجة الأولى تتعلق بعدم صلاحية الجمعية العامة في المباشرة بنقاش موضوع لا يزال مطروحاً أمام مجلس الأمن وهو ما ينطبق على الحالة السورية وقد بذل مندوب النظام الجعفري جهوداً مضاعفة لمنع وصول مشروع القرار لمرحلة التصويت وعندما باءت جهوده بالفشل قام بتوجيه جملة من الشتائم والاتهامات بالفساد للمستشارين القانونيين للأمم المتحدة، أما الحجة الثانية فتتعلق بتوفير التمويل المطلوب، ويبدو أن واضعي القرار انتبهوا منذ البداية لاحتمال رفض المشروع لعدم توفر السيولة اللازمة لدى الأمم المتحدة بسبب مواجهتها مشاكل مالية صعبة فقرروا اللجوء لتمويل المشروع عن طريق التبرعات من الدول الأعضاء، وكانت حجة الرافضين لمشروع القرار بأن الدول التي ستقدم التمويل ستعمل على فرض أجندتها وشروطها الخاصة على العملية برمتها.
الدول التي وقفت ضد القرار تقف في المحور الروسي ولا غرابة في مواقفها التي كانت متوقعة قبل التصويت، أما الدول التي امتنعت عن التصويت فلكل منها أسباب ودوافع مختلفة، وإن كانت الأسباب المعلنة بعدم تقديم سابقة في تاريخ عمل الأمم المتحدة قد تتكرر فيما بعد ضد بلدان أخرى عبر تمرير قرارات لأهداف سياسية بحتة وهو أمر محتمل في عالم السياسة.
لا يمكن القبول بمواقف الدول العربية التي امتنعت عن التصويت بذرائع مختلفة بينما الواقع يشير لخشيتها وتوجسها من الوقوع تحت تأثير قرار مماثل ضدها خاصة أن لديها انتهاكات خطيرة ضد شعوبها.
لا ينبغي التعويل كثيراً على تحقيق عدالة ناجزة من خلال المنظمات ولا المحاكم الدولية الخاصة، وتؤكد التجارب تلك الحقيقة المرة، فقد تم التغاضي عن اعتقال الرئيس السوداني وجلبه ليحاكم أمام محكمة الجنايات الدولية، كما أنه قد انقضت سنوات على تشكيل المحكمة الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري دون تمكنها من إحضار المتهمين لقفص العدالة.
لكن القرار مفيد بلا شك لأنه سيسمح بتوثيق جرائم النظام وإعداد ملفات قانونية اتهامية ضد رموزه وأركانه وهذه يمكن الاستناد إليها فيما بعد ضمن المحاكم الوطنية خاصة أن خبراء في القانون الدولي والإنساني هم من سيقومون بإعدادها وخاصة في ظل عجز المعارضة عن تقديم ملف متكامل يمكن من خلاله إدانة النظام.