كان سقوط حلب متزامنًا مع تحركات سياسية، كشفت نزاعًا و سباقًا بين فريق إعلان موسكو حديث التشكل، و فريق الأمم المتحدة التقليدي فيما يخص الحرب في سوريا.
روسيا و تركيا و إيران، الدول الثلاث الأكثر تأثيرًا على الأرض في سوريا، شكلت عبر “إعلان موسكو” تكتلًا جديدًا، فرض نفسه بقوة سياسيًا و ميدانيًا، و لم يكن ضمن حسابات الأمم و لا قيادة أوباما المستكينة.
كان إعلان موسكو عنوانًا لتنازلات تركية، و استعجال روسي، و نشوة إيرانية، حيث أعلنت تركيا نيتها وقف تمرير الدعم لقوات المعارضة السورية، فيما كانت إيران لأول مرة طرف رسميّ مؤثر بقوة في تكتل يعنى بشان سوريا، و حرصت روسيا على استعجال عقد المؤتمر رغم أنّ دماء سفيرها في تركيا لم تجف بعد.
تحركات دي ميستورا الأخيرة كشفت حرصه على عرقلة اجتماع موسكو و هذا ما دفعه لنقل اعتماده من قيادة أوباما الحالية المترهلة إلى القيادة الأمريكية الشقراء الجديدة التي تتلهف لبدء أعمالها، و هذا ما كشفه فيتالي تشوركين، المندوب الروسي الدائم في مجلس الأمن حين قال في حديث لقناة روسيا 24 إنّ دي ميستورا حدد موعد مفاوضات جنيف الجديدة في 8 شباط، بعد أن نسق مع فريق الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، أي بعد مرور نحو أسبوعين لجلوس ترامب على كرسيّ الرئاسة.
لا يرغب دي ميستورا و من ورائه الأمم المتحدة و الدول الإقليمية في أن تنتقل وصاية الملف السوري إلى فريق خارجها، خصوصًا و أنّ هذا الفريق يضم الدول صاحبة الوصاية المباشرة على أكثر من 90% من المقاتلين بشكل مباشر أو غير مباشر، دون أخذ عناصر تنظيم الدولة بالحسبان.
و قد حرص الروس على تسريب نيات عقد اجتماع موسكو لديميستورا قبل انعقاده، تزامنًا مع مطالبة متكررة من سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي للمبعوث الأممي في سوريا بضرورة استئناف مفاوضات جنيف، و أراد الروس من ذلك إحراج دي ميستورا، كون أنّ كل الأطراف كانت متخبطة في وقت تتغير فيه خارطة الصراع في حلب، و كانت أقل استعدادًا من التفكير حتى باستئناف المفاوضات.
و يرى مراقبون أنّ دي ميستورا أعلن عن استئناف المفاوضات في 8 شباط/فبراير القادم، قبل أن يحصل حتى على موافقة نظام الأسد أو الجهات التي تمثل المعارضة السورية، في محاولة منه لتغذية المفاوضات و عدم اندثارها أمام اجتماع الاستانا الذي أسس له “إعلان موسكو” عمليًا.
الموقف الأمريكي الرسمي كان “متفاجئًا” ومهاجمًا إعلان موسكو، حيث أجرى وزير الخارجية جون كيري اتصالًا هاتفيًا مع لافروف بعد انعقاد الاجتماع، و قال جون كيربي، الناطق باسم الخارجية الأمريكية إنّ بلاده تؤكد تمسكها بمرجعية الأمم المتحدة لصياغة أي حل لـ “الأزمة السورية”.
و رغم الهجوم الروسي المبطن ضد وصاية واشنطن و الأمم المتحدة على الملف السوري، إلّا أنّ موسكو حرصت في صياغة إعلانها على التأكيد أنّ ما تم إنجازه أمميًا في مراحل سابقة بناء، و قال “تشوركين” إنّ تنسيق دي ميستورا مع فريق ترامب قد يعني أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة حريصة على تعجيل الحل في سوريا.
و يتخوف دي ميستورا من أن يحصل إعلان موسكو على دعم جهات إقليمية، ما يجعل من دوره و دور منظمته هامشيًا بشكل فعليّ.
ميدانيًا لا يثق الشعب السوري بعد تجارب السنوات الماضية بأي اتفاق سياسيّ، و في ظلّ حالة التشتت التي تعيشها فصائل المعارضة السورية و التي تجعل دورها هامشيًا، فإنّ القرارات تبقى رهينة مخرجات الاجتماعات خارج سوريا، و لعل الاتفاق الروسي-التركي لإخراج المدنيين من حلب، و عدم ضلوع أي فصيل معارض فيه بشكل مباشر، خير دليل على ذلك.