لم تكن حلب وحدها إخفاقًا صريحًا لمنظمة الأمم المتحدة، و لم تكن الأخيرة عاملًا مساعدًا على وقوع مجزرة للمرة الأولى في تاريخها، فإضافة إلى القلق، أبدى بان كي مون ذات مرة شعوره “بالخزي” في ذكرى مجزرتي رواندا و سربرنيتسا.
وقعت مجزرة رواندا عام 1994 و استمرت نحو 100 يوم، قتل خلالها أكثر من 800 ألف مدنيّ، و كان السبب الرئيسي لوقوعها هو انسحاب قوات الأمم المتحدة من هذا البلد، ما أعطى الفرصة للمتمردين بارتكاب جرائم فظيعة، بدأت بذبح الأطفال و لمّا تنتهي عند اغتصاب النساء.
و قال “بان كي مون” أثناء مشاركته في إحياء ذكرى المجزرة عام 2014 إنّ “الأمم المتحدة ما زالت “تشعر بالخزي” حيال فشلها في منع الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.”
و بعد مجزرة رواندا المأساوية بعام، سحبت الأمم المتحدة قواتها أيضًا من سربرنيتسا ، و أفسحت المجال أمام الجيش الصربي الذي شنّ حملة إبادة بحق مسلمي البوسنة، فقتل الأطفال و الشباب و الشيوخ، و اغتصب النساء بشكل مخزٍ، و تحولت المدينة إلى مقبرة جماعية، ضمت رفات أكثر من 8 آلاف شخص.
و جدد بان كي مون شعوره بـ “الخزي” حيال هذه المجزرة أيضًا، و قال:” في سربرنيتسا، كانت المناطق التي تؤمنها الأمم المتحدة مليئة بالأخطار، وتخلت القوات عن الأبرياء الذين كان مصيرهم القتل. ومازالت الأجيال تتوارث هذا الخزي”.
حالة الخزي تابعت طريقها في حلب، فجنود الأسد و ميليشياته الموالية كانوا ينطلقون لشن هجماتهم ضد المدنيين من خيم الأمم المتحدة، و كان غذاؤهم في المقرات من صناديق المواد الغذائية الممهورة بختم الأمم المتحدة، و كان دي ميستورا المبعوث الأممي إلى سوريا، يقر بشرعية الأسد، في وقت تلطخت يداه فيه بدماء أكثر من 800 ألف سوري.
مجزرة حلب لا تختلف عن مجزرتي رواندا و سربرنيتسا إلا بكونها “مجزرة معاصرة”، تخللتها أساليب جديدة في القتل، أسلحة روسية جديدة، و براميل متفجرة مبتكرة، و اجتماع مرتزقة طائفيين، و حصار وثّقته للتاريخ علامات الجوع و المرض على جثث المدنيين المقطعة تحت الركام.
الأمم المتحدة لم تفعل شيئًا لحلب، و لم تقف حتى في الحياد من وقوع المجزرة، بل دعمت الأسد، و وفرت له سيولة مالية من القطع الأجنبي، ترجمه بكل وضوح في تصعيد حدة الهجمات ضد المدنيين.
و بحسب تقارير نشرتها صحيفة الغارديان، و أخرى وثقتها مراكز دراسات أجنبية فإنّ الأمم المتحدة قدمت 1.1 مليار دولار لنظام الأسد عام 2015، و 5 ملايين و 134 ألف دولار لبنك الدم التابع لوزارة دفاع النظام، و 9 مليون و 296 ألف دولار لفندق الفور سيزون الذي تملك وزارة سياحة النظام أكثر من ثلثه، و قدمت 8.5 مليون دولار لمنظمة الأمانة الخيرية التابعة لأسماء الأخرس زوجة بشار الأسد، و منحت رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد 267 ألف و 933 دولار لحساب جمعيته “البستان”.
و علاوة على الدعم المادي، فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تمرير أي قرار يضع حدًا أو يدين همجية النظام في سوريا، لم تفلح الدول الكبرى عبر هذه المنظمة في أن تحيّد الفيتو الروسي و الصيني تجاه أي قرار يدين الأسد على مجازره.
لم يختلف دور الأمم المتحدة في حلب عما كان عليه في رواندا و سربرنيتسا، بيد أنّ بان كي مون لم يبد إلا القلق و أحيانًا “الغضب” تجاه هذه المجزرة، و رغم أنّ ولايته ستنتهي بعد أيام إلا أنّه لم يشعر بـ “الخزي”، و لربما ترك هذا الشعور لخليفته أنطونيو غوتيريس أو لـ “أممي” آخر يأتي بعد سنين عندما تصبح مجزرة حلب مجرد ذكرى.