صراع المرجعيات بين جنيف و الأستانة

الأنباء التي تشير إلى اجتماع لقادة فصائل برعاية تركيا للانضمام لمنصة الأستانة هي ما تجعل التوجس من كون الأستانة محطة قاتلة للثورة السورية أمراً محتملاً، حيث يتم العمل لسحب التفاوض من خلال جنيف وتحويله لمكان آخر وفي هذا نسف للمرجعيات الدولية التي يقوم عليها جنيف والتي تنص على الانتقال السياسي بشكل واضح.
 
سعى النظام لاختراق المعارضة بطرق مختلفة، منها زرع شخصيات مرتبطة معه ضمن صفوف المعارضة، تقوم بين الفينة والأخرى بإثارة الشكوك بجدوى الاستمرار في الثورة وتدعو لحل سياسي مع النظام كلما سنحت لها الظروف بحجة حقن دماء السوريين دون التطرق لمسؤولية النظام عن الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري منذ بداية الثورة.
 
من طرق الاختراق الأخرى توليد تيارات سياسية هزيلة تضم بضعة أشخاص لا أكثر، تحت أسماء ومسميات رنانة من وطنية وديمقراطية وعلمانية من أجل تصديرها للخارج و الادعاء فيما بعد أن هذه هي المعارضة الوطنية الحقيقية التي يمكن أن يتم الحوار معها من أجل حل سياسي وليس قوى المعارضة الأخرى اللاوطنية والمرتبطة بالأجندات الخارجية والداعمة للإرهاب.
 
في البداية ظهرت هيئة التنسيق الوطنية بقيادة حسن عبد العظيم نداً قوياً للمجلس الوطني السوري وكانت تعلن نفسها بمظهر السلمية والاعتدال في مقابل العسكرة والتطرف لقوى المعارضة الأخرى، وكانت تحظى بدعم دولي لهذه الأسباب نفسها، وحتى النظام نفسه لم يكن يعيق تحرك قيادات هيئة التنسيق عندما تريد السفر لخارج البلاد للاجتماع مع قيادات المعارضة.
 
لا يمكن القبول بشيطنة أعضاء هيئة التنسيق واتهامهم بالعمالة للنظام فالكثيرون منهم لديهم تاريخ نضالي طويل ضد النظام وقام النظام بخطف وإخفاء بعضهم كعبد العزيز الخير ورجاء الناصر وغيرهم، لكن أداء الهيئة كان يتأرجح على الدوام ومما يجعلها مثاراً للشك لا بل والاتهام تلاقي مواقفها مع النظام في مواقف مفصلية من عمر الثورة وامتناعها عن إدانة جرائم النظام وروسيا والميليشيات الشيعية وإيران، ولعل قبولها الانضواء مع الهيئة العليا للتفاوض يدخل في باب تعديل عمل الهيئة وجعله مقبولاً بشكل أوسع.
 
ظهرت بعد الثورة تيارات وكتل وأحزاب سياسية كثيرة معارضة للنظام، وبسبب الظروف الموضوعية فقد تم الإعلان عنها في مصر وتركيا بشكل أساسي وبات النظام يطلق عليها معارضة الخارج في مقابل معارضة داخلية قام هو بدعمها لإحداث التوازن لا بل الترويج أن معارضة الداخل تحمل أجندة وطنية مستقلة غير مرتبطة بالخارج.
 
تتشارك المعارضات الناشئة في الخارج أو الداخل بأنها معارضة شكلية تقوم على برامج سياسية هزيلة وأهداف محدودة الطابع، لكن للإنصاف فإن عقد معظم معارضات الخارج انفرط بسرعة مع توقف الدعم والتمويل لها، بينما بقيت معارضات الداخل مستمرة بدون عمل يذكر ويبدو أنها ستبقى تحت الضرورة والطلب وحسب حاجة النظام لها.

“من أجل تلميع صورة رندا قسيس تم اختلاق إشاعة بأنها مرشحة لرئاسة سورية وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الخبر بشكل واسع رغم أن ذلك كان بطريقة التهكم والنقد اللاذع.”

 
غادرت شخصيات مهمة من النظام البلاد بطريقة مفاجئة وغريبة ودون أن تعلن انشقاقها عنه أو العمل ضده، ومن اللافت أن يذهب قدري جميل نائب رئيس الوزراء السابق لموسكو فيما ذهب جهاد مقدسي نائب وزير الخارجية إلى واشنطن واختار عبد الله الدردري نائب رئيس الوزراء السابق العمل مع الأمم المتحدة، ولا شك أن لكل منهم دور محدد يقوم به سيظهر للعلن في الوقت المناسب.
 
في ظل وجود معارضة داخلية جاهزة سعت موسكو لإيجاد معارضة خارجية تكون قريبة منها و تعمل بأجندة مختلفة عن المعارضة التقليدية الرافضة لسياسات روسيا وتدخلاتها العسكرية لصالح النظام، ورغم هزالة اجتماعات المعارضة في موسكو والأستانة وعدم وصولها لمرحلة الإقناع بتحقيقها تمثيلاً سياسياً مقبولاً يمكن من خلاله فرضها على الدول الأخرى كممثل شرعي للمعارضة.
 
لكن موسكو تسعى لإيجاد بديل عن الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات وهي تعمل لذلك من خلال الأستانة وغيرها.
ليس صعباً قراءة الحضور الباهت لمعارضة وازنة في الأستانة رغم الضخ الإعلامي الكبير للترويج لها، ومن أجل تلميع صورة رندا قسيس تم اختلاق إشاعة بأنها مرشحة لرئاسة سورية وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي الخبر بشكل واسع رغم أن ذلك كان بطريقة التهكم والنقد اللاذع.
 
من خلال القراءة البسيطة لأهداف موسكو من الأستانة يتضح أن المشاركة فيها لا تصب سوى في مصلحة النظام وروسيا بالدرجة الأولى، وبالتالي لا ذرائع مقبولة لمشاركة فعلية من المعارضة فيها، فهي تمت بدعوة وغطاء من روسيا لخدمة أجندتها الخاصة في سورية.

 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “مرآة سوريا”

 

أضف تعليق