يبدو أن السوريين بدأوا ينسون أو يتناسون ألاعيب المخابرات السورية القديمة ومن بينها إطلاق الإشاعات وترويجها بما يتوافق مع أجندة النظام.
هناك خبراء مختصون يدرسون عمليات إطلاق الشائعات، حيث يتم دراسة الشريحة المستهدفة وطريقة إطلاق الإشاعة ومن ثم قياس مدى تأثيرها وفعاليتها، وتهدف الإشاعة للتأثير على الرأي العام بغرض تغيير مزاجه باتجاهات يريدها مطلقوها، وغالباً تكون الإشاعة غير حقيقية أو غير منطقية من حيث المحتوى والمضمون، لكن ما يجعل تصديقها ممكناً من الناس أنها تكون عادة ضد الجهة التي أطلقتها مما يجعل التشكيك فيها صعباً، وفي بعض الأحيان يتم إطلاق إشاعات قبل الوصول لمرحلة قرار خطير وهنا تلعب الإشاعة دور قياس مدى قبول الناس للقرار وطريقة تعاملهم المحتملة معه وذلك من أجل اتخاذ خطوات لتحسين القرار أو التصدي لمن يريد مقاومته.
يتم نشر الإشاعات تقليدياً عبر عناصر الأمن أنفسهم الذين يفضون لأصدقائهم بما يقولون أنه أسرار خاصة يجب عدم تداولها بينما هم في الواقع يرغبون بانتشارها بسرعة البرق، لكن مع تطور وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي بشكل كبير أصبحت أجهزة الأمن تعتمد عليها بشكل أساسي عبر وسائل إعلام أو صحفيين موالين لها أو عبر مواقع الكترونية تعمل لصالحها بشكل غير معلن.
بالعودة للموضوع الذي شغل وسائل التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين حول احتمال ترشيح رندا قسيس لرئاسة سورية، نرى أنها لا تخرج عن نطاق الدعايات الاستخباراتية المعهودة، فلا ظروف موضوعية البتة تتعلق بالموضوع، فالحالة السورية لم تصل لمرحلة تنحي بشار الأسد والبحث عن شخص بديل عنه لرئاسة البلاد فضلاً عن أن العملية السياسية برمتها متوقفة ولا يوجد أي مؤشرات على حل سياسي وشيك، إذن لماذا تم طرح اسم رندا قسيس بهذا الشكل المفاجئ ومن يقف وراء ذلك ؟
من خلال التحليل يظهر أن طرح اسم قسيس كرئيس لسورية يزيد في أسهمها كشخصية معارضة ويعطي مزيداً من القوة وشرعية التمثيل للمعارضة الناعمة في الأستانة وغيرها وهذا كله يصب في خانة النظام وموسكو قبل قسيس نفسها، كما أن ما شهدته وسائل التواصل الاجتماعي من نقاش للموضوع يدل على هشاشة وضعف واسع لدى شريحة واسعة وإمكانية إخضاعها عبر الإشاعات والتأثير عليها بسهولة.
بالمحصلة معظم الذين تناولوا موضوع رندا بمظهر المصدق للإشاعة كانت ردودهم بشكل غير منطقي أو سياسي وتركزت على الهجوم على شخصية قسيس ومواقفها القيمية الغريبة عن قيم المجتمع السوري التقليدية والأقرب لقيم الغرب في الحرية الشخصية اللامحدودة وخاصة في الأمور الجنسية، وهنا ظهر الجميع بمظهر ضعيف أمام رندا قسيس لأنهم لم يقوموا بالمواجهة الضرورية واكتفوا بالمواجهة الأخلاقية غير المفيدة في عالم السياسة.
بالنتيجة كسبت رندا قسيس من خلال توجيه الشتائم لها، كما اكتشف النظام ضعفنا وعدم فهمنا لألعابه الاستخباراتية بعد كل ما جرى، كما أن الروس كسبوا من خلال ترويجنا نحن لشخصية رندا قسيس من خلال كثرة تداول الموضوع مع الظن بأننا نحسن صنعاً.
خسرنا في مواجهة إشاعة فهل نتعظ لمواجهة القادم والأخطر بشكل أفضل؟.