هل يمكننا اعتبار هدنة وقف إطلاق النار بريق حلّ فعليّ في سوريا؟

فور الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار في سورية برعاية تركية روسية، سارع الكثيرون للحديث عن السيناريوهات المحتملة لحل سياسي وكيفية إنجاز ذلك، ووصل الأمر بالبعض لتداول معلومات وتفاصيل مثيرة حول ذلك لا مصادر حقيقية لها سوى غرف المخابرات المظلمة.
رغم هشاشة وقف إطلاق النار وصعوبة تحويله لهدنة دائمة تكون المقدمة للدخول في عملية تفاوضية تؤدي لحل سياسي في نهاية المطاف، إلا أن مأساوية الوضع السوري دفعت الناس لغض النظر وعدم الخوض في تفاصيل غير إيجابية تطيح بأمل برز بشكل مفاجئ في وقت جراح سقوط حلب لم تكد تندمل بعد.

لا يمكن التجاوز عن الاحتمالات الكبيرة بفشل وقف إطلاق النار، فليس لتركيا وروسيا معاً إمكانية السيطرة على كافة القوى الميدانية لدى المعارضة والنظام، وستعمل الدول غير الممثلة بالاتفاق لإفشاله، ولا يمكن تصور استحواذ تركيا وروسيا فقط على كافة مصالحهما من الملف السوري واستبعاد باقي القوى الدولية والإقليمية التي تمتلك نفوذاً كبيراً في الساحة السورية، فالجبهة الجنوبية وقوات سورية الديمقراطية تعمل لصالح أجندة الغرب وأمريكا وتحظى بدعم واسع ولديها إمكانيات كبيرة، في المقابل هناك التنظيمات التي صنفها مجلس الأمن إرهابية كتنظيم الدولة وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة قبل فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة) وهي غير مشمولة بوقف إطلاق النار رغم سيطرتها على مساحات كبيرة، كما أن من البديهي ظهور فصائل رافضة للاتفاق لأسباب مختلفة، و رغم ما تمثله التنظيمات الطائفية التابعة لإيران من مخاطر طويلة الأمد على الاستقرار في سورية إلا أنه لم يتم التطرق لملفها بعد رغم خطورته ويبدو أنه سيتم ربط مصيرها بمصير التدخل الإيراني في البلاد.

و يرى مراقبون أنّ وقف إطلاق النار غير قابل للحياة بصيغته الحالية رغم التأييد الظاهري الواسع الذي قوبل به، ويبدو أن الروس والأتراك استعجلوا التوصل للاتفاق قبل استلام إدارة الرئيس ترامب مهامها في محاولة لفرض أمر واقع يصعب تغييره فيما بعد ولكن الرئيس أوباما قام برد سريع وقوي عبر طرد دبلوماسيين روس من أمريكا في خطوة تعتبر تصعيدية قياساً لأداء أوباما الهادئ خلال رئاسته لأمريكا.

لو افترضنا جدلاً ثبات وقف إطلاق النار ومن ثم بدء العملية السياسية، فكيف يمكن تصور مسار الحل السياسي الموعود؟
يمكن طرح السؤال بصيغة أخرى :هل يمكن من خلال تسوية الملف السوري تحقيق المصالح المختلفة بل والمتناقضة للدول التي لها تدخل وتأثير فاعل ؟ ونظرة سريعة على قائمة الدول تلك تظهر أنه من المستحيل ضمان مصالحها جميعاً ضمن مشروع حل سياسي يتم التوافق عليه فيما بينها، وتتحول العملية لفرض حل من قبل الدول الأكثر نفوذاً وهو ما سعت إليه تركيا وروسيا بالفعل من خلال الاعتقاد بضعف الموقف الأمريكي الحالي وعدم قدرته على التصدي ومنع المشروع.

و يعتقد مطلعون على الملف السوري أن مشروع الحل التركي الروسي المنفرد سيفشل رغم إعلانهما السعي لضم دول أخرى إلى المسار، ولا يمكنهما في النهاية تجاوز أمريكا وأوروبا والدول الإقليمية الفاعلة الأخرى، وبالتالي فمن المرجح أن ينتهي التعاون الروسي التركي في سورية إلى الفشل، ولو أراد البلدان الاستمرار في مواجهة و تحدي للغرب فسيؤدي ذلك لتصادم قوي بين المعسكرين على الأراضي السورية، وفي حال توصلهما لاتفاق ما فسيكون اتفاق ترضية ضعيف لا ينتج حلاً دائماً يمنح السوريين الاستقرار والحرية.

في ظل غياب السوريين التام عن الفعل والتأثير بمستقبل بلادهم، يبدو أن سورية تمر في أزمة طويلة الأجل من الصعب الخروج منها، ومما يؤكد حقيقة تلك المخاوف هو المخاض العسير الذي تستمر دول مماثلة في خوضه دون إمكانية الانتقال لدولة وطنية مستقلة، وليست لبنان وأفغانستان والعراق وغيرها ببعيدة عنا، مع عدم وجود إمكانية لفهم الأسباب التي قد تدفع النظام وإيران للقبول بأي حل قد يكون بمثابة انتحار لهما، فكيف يمكن إرغامهما لقبول حل سيكون ضد مصلحتهما بالضرورة؟.

أضف تعليق