لماذا فشلت المعارضة السورية في إيجاد حليف استراتيجي؟

حظيت الثورة السورية منذ انطلاقتها بتأييد دولي واسع تجسد من خلال تشكيل مجموعة دول أصدقاء الشعب السوري، والتي كانت تضم عند إنشائها أكثر من مائة دولة بما فيها الدول العظمى عدا روسيا، ولو عملت تلك المجموعة وفق برامج واضحة ولو كان لديها نوايا صادقة لكانت استطاعت تقديم دعم قوي للشعب السوري وإسقاط النظام خلال فترة زمنية قصيرة دون وصول سوريا لهذه الحال المأساوية.
وبدلًا من ذلك قامت دول الأصدقاء باحتواء المعارضة ومن خلفها الثورة التي تمثلها وتهدئة تسارعها نحو إسقاط النظام، ولم تقدم أي دعم عملي بل اكتفت بعقد عدة اجتماعات مع تناقص مستمر في دول المجموعة وانتهى الأمر بفشل المجموعة التام وترقين عملها.
عملت مجموعة الأصدقاء على توجيه تحركات المعارضة وتحويل أجندتها السياسية من إسقاط النظام لإيجاد حل سياسي معه عبر عملية تفاوضية، وقبلت المعارضة بما يملى عليها بعد أن فقدت كافة خياراتها الأخرى و باتت مكشوفة الظهر في مقابل دعم قوي ومستمر ومباشر يتلقاه النظام من روسيا وإيران ما جعل الكفة تميل باتجاه النظام في نهاية المطاف.
يمكن القول إن خيارات النظام التحالفية كانت أفضل مما قامت به المعارضة على الأقل من خلال تحليل الأحداث حتى الآن، فهل تتحمل المعارضة مسؤولية الفشل في تكوين تحالفات داعمة قوية تحمي الثورة وتحقق مصالحها؟.

إقرأ: بنود إعلان موسكو

لا شك أن وقوع المعارضة تحت تأثير الانبهار بقوة مجموعة دول الأصدقاء جعلها تثق بقدرة المجموعة على إحداث التغيير المطلوب في البلاد، وكان مسؤولو المعارضة يركنون للوعود التي تقدم إليهم ما جعلهم يتراخون في البحث عن بدائل، و أضاعوا الوقت بالانتظار دون جدوى.
لا يمكن التغاضي عن قيام المعارضة بعدة محاولات لكنها ضعيفة وخجولة لتحقيق اختراق ما في معسكر الدول الداعمة للنظام، وقد جرت عدة لقاءات بين وفود من المعارضة ومسؤولين من روسيا وإيران والصين، ولكنها لم تفضِ إلى أي نتيجة ملموسة تدفع حلفاء النظام نحو تفهم مواقف الثورة السورية ودعم مطالب الشعب السوري، وكان أداء وفود المعارضة خلال تلك اللقاءات ضعيفاً وغير مقنع فهي لم تقدم ملفات أو مشاريع للتعاون الاستراتيجي مع تلك الدول بل اكتفت بمطالبتها اتخاذ مواقف لمساندة الثورة السورية.
تتحمل المعارضة مسؤولية أساسية في إيجاد محور قوي تتحالف معه، لكن يجب عدم التغاضي عن الدور المخادع الذي مارسته دول الأصدقاء عليها وخاصة أمريكا التي كان دورها غريباً وغير مفهوم بابتعادها عن الملف السوري وتفويض روسيا بإدارة الملف ما جعل المعارضة تقف وحيدة بلا ظهر يسندها.

 

“عملت مجموعة الأصدقاء على توجيه تحركات المعارضة وتحويل أجندتها السياسية من إسقاط النظام لإيجاد حل سياسي معه عبر عملية تفاوضية، وقبلت المعارضة بما يملى عليها بعد أن فقدت كافة خياراتها الأخرى و باتت مكشوفة الظهر في مقابل دعم قوي ومستمر ومباشر يتلقاه النظام من روسيا وإيران ما جعل الكفة تميل باتجاه النظام في نهاية المطاف.”

يقف وراء فشل المعارضة جملة من الأسباب منها :
_ قلة الخبرة السياسية والممارسة العملية لدى قيادات المعارضة وأغلبهم لم يعملوا في الشأن العام قبل الثورة، وهذا جعلهم غير قادرين على تفهم خفايا السياسة وأولوية المصالح القومية لدى الدول قبل المواقف الأخلاقية، وقد شاهدنا مراراً مواقف ضعيفة لشخصيات من المعارضة وهي تطالب الدول باتخاذ مواقف أخلاقية دون الفهم أو الأخذ بعين الاعتبار أن المصالح هي التي تتحكم بمواقف الدول.
_ الاعتماد والرهان التام على دعم مجموعة دول الأصدقاء والذي كان أشبه بالسراب، خاصة في موضوع تقديم مضادات الطيران وإقامة منطقة حظر جوي، مقابل الابتعاد عن روسيا وإيران بشكل نهائي وتحويلهما لدولتين عدوتين للثورة السورية في النهاية.
_ لا شك أن إسرائيل هي بيضة القبان في أي تحولات جذرية في منطقة الشرق الأوسط، ورغم شعارات النظام في الممانعة إلا أنه من خلال فهمه الدقيق لتلك الحقيقة فقد قام بشكل مبكر بتوجيه رسائل واضحة وعلنية لإسرائيل يعلن فيها التزامه بالحفاظ على أمنها ومنع أي أخطار محتملة عليها، وفي الحقيقة فقد كان ذلك هو أكبر إنجاز للنظام في تصديه للثورة السورية وهو ما جعل من الصعب الرهان على إسقاط النظام، أما المعارضة فقد كانت تسعى لإسقاط النظام ومن ثم المشاركة في محادثات سلام يتم من خلالها استعادة الأراضي السورية المحتلة وبالطبع فإن موقف المعارضة لن يلقى الترحيب من قبل إسرائيل وتحولت لما يشبه العقدة بوجه المعارضة، وربما ظن بعض المعارضين أنهم يستطيعون التأثير على الموقف الإسرائيلي وتحويله لصالح الثورة وفي الواقع لم يكن لديهم أي شيء يقدموه لإسرائيل خاصة أنهم مجرد أشخاص معارضين لا أكثر.
يتم الحديث بكثرة في الآونة الأخيرة عن إمكانية حدوث خلاف كبير بين روسيا وإيران في الملف السوري وهذا سيؤدي لتغيرات في التحالفات يمكن أن تستفيد منها المعارضة بأن تتحول روسيا من حليف للنظام إلى المعارضة، وساعد في انتشار تلك التكهنات ارتفاع حدة التصريحات وتناقض المواقف بين المسؤولين الإيرانيين والروس بعد اتفاق وقف إطلاق النار.

يمكن أن تزداد وتيرة الخلاف بين إيران وروسيا لتناقض مصالحهما، إيران لا تستطيع الانسحاب من سورية أو التخلي عن النظام فهي جعلت من تدخلها في سورية مصلحة قومية استراتيجية و أشبه ما يكون بالاحتلال، بينما أهداف روسيا في سورية عسكرية سياسية اقتصادية وتستطيع القبول بأي جهة تضمن لها تحقق تلك الأهداف والمصالح وهي غير متمسكة ببقاء الأسد وحتى النظام.
قامت مجموعات من المعارضة بإجراء تواصل قوي مع روسيا وراهنت عليها في تحقيق حل في سورية، وقد جرت لقاءات لمعارضين في الأستانة برعاية روسية ثم تطور الأمر بعد الاتفاق الروسي التركي للدعوة لتوسيع الأستانة ليصبح منصة أساسية للحوار بين النظام والمعارضة وتثبيت ذلك في قرار دولي من مجلس الأمن.
يغيب عن كثيرين أن غياب أمريكا عن التأثير في مسرح الأحداث في سورية لن يستمر طويلاً وسيتبدل المشهد مع الإدارة الأمريكية الجديدة ولن يبقى على حاله، وربما لهذا السبب سعت روسيا لاستباق الأمور وتحقيق مكاسب ميدانية ومن ثم أعلنت عن تحفيض قواتها في سورية.
هناك مخاطر كبيرة من تحول المعارضة نحو التحالف مع روسيا التي من المرجح أن تتراجع قدرتها على تسيير الأمور في سورية لصالح أمريكا والغرب، وفي هذه الحالة تفقد المعارضة إمكانية إيجاد أي حليف استراتيجي.
أفضل خيار متاح للمعارضة الأن هو الانتظار حتى جلاء الأمور بوضوح وعدم المراهنة أو التحالف مع محور ما، وربما حان الوقت لكي تتحول المعارضة بعد هذه السنين من الثورة لممارسة لعبة المصالح مع الدول، فهل هي قادرة على فعل ذلك؟.

 

 

 

أضف تعليق