يقول أحد الأمثال الشعبية العامية: "إلعب بالمقصقص لبين ما يجي الطيار"، ويقصد بذلك أنه في حالات الضرورة يمكن للمرء بدلاً من حالة الفراغ أو التسكع أو قلة الحيلة أن يقوم بتقطيع الوقت مع طائر غر لا يعرف الطيران بالشكل الصحيح لأن أجنحته مقصوصة بانتظار الحصول على الطائر الأصيل الحر الذي يجيد ويتقن فنون الطيران.
يمكن تصنيف هذا المثل الشعبي ضمن مجموعة الأمثال السلبية التي تدعو إلى الصبر والاسترخاء في انتظار الفرج، كما يمكن النظر إليه من زاوية إيجابية باعتباره يزرع الأمل في النفوس ويمنع تسرب اليأس إليها.
يبدو أن معارضتنا العتيدة يروق لها هذا المثل لا بل تعمل بمقتضاه وفي وجهه السلبي كذلك ، فهي تجاوبت مع كل العروض التي قدمت لها وقبلتها على أمل أن يكون ذلك مرحلة مؤقتة في الطريق نحو الوصول للحل المنشود، ولكن ذلك جعلها تنتقل من تنازل لأخر حتى وصل الأمر أن تم استبعادها من المشهد بشكل كامل بسبب فقدانها كافة أوراق القوة التي كانت تمتلكها.
لعبت المعارضة بالمقصقص…نعم … لعبت كما أريد لها … شكلت مجلسًا وطنيًا ثم ائتلافًا ثم هيئة عليا للتفاوض، وبعد ذلك تم ترقين عمل كل تلك الهيئات بالتسلسل دون أن يفهم جهابذة المعارضة الدرس منذ البداية بل استمروا في اللعب الغبي.
من جنيف 2 إلى جنيف 3 لم يحققوا أي شيء.. ومن منصات القاهرة إلى موسكو إلى الأستانة إلى أنقرة قاموا بحرق الهيئة العليا وإيجاد بديل عنها وأسوأ منها، يقبل بالاتفاق الروسي التركي بكل ما فيه.
ما يتم فعله في أنقرة هو إلغاء مرجعية القرارات الدولية التي تنص بوضوح على انتقال سياسي حقيقي يؤدي لإنهاء النظام، والانتقال إلى صيغة حل جديد مختلف تماماً يضمن المصالح التركية الروسية بالدرجة الأولى وبالتالي رضا إيران وموافقة النظام وكل هذا لن يكون في صالح الشعب السوري ولن يحقق أي من أهداف الثورة.
ظنت المعارضة أن السياسة مجرد لعب بالمقصقص فقامت بإضاعة الوقت والفرص بانتظار حل لا تعرف ما هو ولا كيف يمكن أن يأتي، انتظرت حصول ذلك بقدرة قادر أو معجزة، أو ربما من خلال اصطدام مصالح الدول واختلافاتها حول الملف السوري، أو عبر حدوث تحولٍ دراماتيكي في موقف الولايات المتحدة باتجاه دعم كلي للثورة وإسقاط النظام.
لعبت المعارضة وراهنت وقامرت بمصير الشعب السوري خلال سنوات، ربما ظنت أن رهانها شيء يخصها وحدها، ولا علاقة للشعب السوري في سعيها لتقاسم السلطة والحكم مع الأسد.
لله دركم جهابذة المعارضة …..لعبتم كثيراً… ولكن بعد طول انتظار…مات المقصقص… وانتهت المعارضة …. ولن يأتي الطيار..