تم تشكيل الهيئة العليا للتفاوض بموافقة ومباركة دولية من أجل الدخول في عملية تفاوضية مع النظام وفقاً للمرجعيات والقرارات الدولية المتعلقة بالملف السوري، وضمت الهيئة ممثلين عن المعارضة السياسية والعسكرية بحيث حاز تشكيلها على الرضا والقبول الدولي والإقليمي وخولها أن تحضر جنيف 3 كمفاوض رئيسي مقابل النظام.
خلال تعطل مسار جنيف وتوقف ديمستورا عن فعل أي شيء، كان العمل يجري بتسارع كبير لتنشيط منصات أخرى لتكون بديلة عن الهيئة العليا، وحصلت من أجل ذلك لقاءات واجتماعات في أماكن مختلفة لكنها تصب جميعها لخدمة ذلك الهدف غير المعلن، كان يتم استنزاف الوقت بشكل مدروس لإبعاد الهيئة العليا عن المشهد ومركز المشاورات والقرار والتأثير والعمل على إضعافها لصالح البديل الجديد.
الانتقال من جسم معارض لآخر كان باستمرار الشغل الشاغل للدول التي يفترض أنها تدعم الثورة، من المجلس الوطني للائتلاف للهيئة العليا للتفاوض، مقابل منصات أخرى تعمل في القاهرة وموسكو والأستانة وحتى في حميميم ذاتها، حيث يتسابق الجميع لنيل الاعتراف بتمثيل المعارضة.
أمام تعدد جهات المعارضة وتشتتها باتت الخيارات مفتوحة لمن يريد التعامل معها، وهو الهدف الذي سعى له النظام منذ البداية عندما بدأ يتكلم عن معارضة خارجية غير وطنية لن بتفاوض معها بل هو مستعد للحوار مع معارضة وطنية داخلية، وجاء الاتفاق الروسي التركي الأخير ليصب في خانة النظام، وحيث أنه من الصعب على تركيا وروسيا ترويض وتطبيع الهيئة العليا باتجاه قبول الاتفاق الروسي التركي فقد اتجه البلدان نحو اعتماد الأستانة كبديل لجنيف وبقي عليهما تحضير وفد معارض مناسب وهو ما تقوم به تركيا من خلال دعوة أشخاص معارضين لتشكيل وفد منهم يذهب للقاء النظام في الأستانة.
رغم كل ما قيل ويقال عن الهيئة العليا وهو صحيح، إلا أنها تبقى متمسكة بالقرارات والمرجعية الدولية، بينما هناك مخاوف واسعة من أن يتم تحويل الأستانة لمنصة بديلة عن جنيف ويدور الحوار فيها بدون شروط أو مرجعيات دولية وهو ما سيؤدي لتنازلات هامة تصب في مصلحة النظام بطبيعة الحال.
صحيح أن تركيا وروسيا تريدان إقامة العرس بالأستانة وصحيح أن الهيئة العليا لا تزال تضرب على الطبل دون جدوى في الرياض، لكن الأرجح أنه لن يصدر شيء إيجابي أو نهائي من الأستانة، فالطريق لا يزال طويلًا ويجب مراعاة مصالح جميع الدول في أي اتفاق حول سورية، ولن تستطيع روسيا وتركيا التحكم بمفردات القرار السوري لوحدهما …. ولن يكون العرس السوري سوى في دمشق وحدها مهما طال الزمن.