تستمر حملة قوات النظام على وادي بردى في ريف دمشق الغربي في محاولة لإخضاع المنطقة لسيطرته بعد حصار طويل وقصف مستمر لكسر إرادة مقاتلي المعارضة الذين قرروا الدفاع عن بلداتهم وقراهم حتى الموت.
الحملة التي استمرت 24 يوماً لم يوفر فيها النظام سلاحاً من الأرض أو الجو إلا واستخدمه انتهت يوم السبت 14 كانون الثاني/يناير 2017، بتمكن قواته من دخول بلدة بسيمة وإحكام سيطرته عليها ليصبح جيش النظام على تخوم بلدة الخضرة.
يأتي هذا التقدم رغم وجود ما يسمى الهدنة الشاملة والتي نصت بنودها على وقف الأعمال العسكرية من كافة الأطراف وعدم العمل على كسب مناطق جديدة سواء من طرف النظام أو المعارضة لكن الواقع يشهد أن الأعمال العسكرية والقصف ومحاولات التقدم من طرف النظام وحلفائه لم تتوقف يوماً وسط احتفاظ فصائل المعارضة بحق الرد والتهديد الخجول بإنهاء الاتفاق وعدم الذهاب إلى مؤتمر الأستانة المزمع انعقاده في كازاخستان في 23 من الشهر الجاري.
تقدم قوات النظام في وادي بردى مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأستانة يكرر في الأذهان مأساة الباصات الخضر التي أجبرت أهالي حلب على الخروج من مدينتهم بعد أن سقطت أغلب أحياء حلب الشرقية بسرعة قياسية مع تقدم لقوات النظام وحصر المقاتلين والأهالي في 4 أحياء فقط، وكان سقوط حلب المدوي مقدمة لما يفترض أن يكون هدنة شاملة تمهد لمؤتمر الأستانة.
وكأن السيناريو يعيد نفسه فوادي بردى في طريقه للتسليم كما حصل مع حلب فقد نقلت وكالة سمارت عن مصدر عسكري لم تسمه أن قوات النظام وفصائل عسكرية توصلت لاتفاق يقضي بخروج المقاتلين من منطقة وادي بردى بريف دمشق إلى محافظة إدلب.
في حين نقلت مصادر أخرى أن الاتفاق سيسمح للمقاتلين وعوائلهم ومن يرغب بالخروج التوجه إلى محافظة إدلب بينما يتم تسوية أوضاع من يريد أن يبقى، وقد قام إعلام النظام بإظهار صور لبعض الباصات الخضر والتي من المفترض أنها متجهة لوادي بردى في محاولة لإسقاط الوادي إعلامياً وهو عين ما حصل في حلب وغيرها من المناطق التي هُجر أهلها.
إن المدقق في واقع الحراك العسكري وقيادات الفصائل يدرك حجم المأساة، فقد أصبح قادة الفصائل كالريشة في مهب الريح ولم يعودوا يملكون من أمرهم شيئاً وهم ذاهبون إلى الأستانة شاؤوا أم أبوا، وما تحديد موعد ثابت للمؤتمر إلا لإرغام المفاوضين على الذهاب ولو بدون شروط، كل ذلك بترتيب تركي روسي مع التغاضي عن استمرار القصف وإراقة الدماء الذي يتوسع يوماً بعد يوم ومن الضامن الروسي نفسه الذي تشارك طائراته جنباً إلى جنب مع طائرات النظام في قتل الشعب السوري الأعزل.
فهل مفاوضات الأستانة ستحقن الدم السوري وهل حقنتها قبل ذلك مفاوضات جنيف أو فيينا أو الرياض؟!
إن الدخول في دوامة المفاوضات هي في حقيقتها الموافقة على دخول مسلسل من التنازلات الجديدة، أولها التخلي عن وادي بردى وبعدها الغوطة الشرقية وباقي مناطق ريف دمشق لكي يستطيع النظام وحلفاؤه تأمين طوق العاصمة وليتفرغ بعدها لإدلب بعد أن قام بتجميع جميع المعارضين له فيها.
والقضية السورية الآن أصبحت تشبه إلى حد كبير القضية الفلسطينية والتي نجح الغرب في تمييعها وإطالة أمدها بسبب إدخالها في مسلسل من المفاوضات لا ينتهي، ولم يستفد الفلسطينيون منها شيئاً في حين استطاع الكيان الصهيوني أن يُحصل الفائدة الكبرى في تأمين مناطقه وحراسة حدوده مع المماطلة في تنفيذ أي بند متعلق به.
مؤتمر الأستانة ليس الأخير في مسلسل المفاوضات الطويل فبعد الأستانة هناك جنيف 4 وهكذا دواليك.. ومع المفاوضات والمباحثات تستمر إراقة الدماء وليتمكن الغرب بعدها ولو بعد سنين من إعادة الشعب السوري الثائر إلى نقطة الصفر أو إلى حضن النظام ولو بتغيير شكلي لرأس النظام.