ينتظر العالم بقلق شديد استلام دونالد ترامب مقاليد الرئاسة في أمريكا لمعرفة كيف سيدير دفة البيت الأبيض وهل سيكون جديراً للقيام بذلك بالفعل بعد ما ظهر ضعفه وعدم جدارته خلال الحملة الانتخابية.
لا يتمتع ترامب بأي خبرة سياسية لكنه بالإضافة لذلك يتمتع بمزاج متقلب وطبع حاد يدفعه لاتخاذ مواقف متسرعة وعدائية ويخشى أن يكون ذلك سبباً لمواقف وسياسيات غير متزنة أو متوازنة يقوم بها ترامب خلال جلوسه على كرسي الحكم في البيت الأبيض.
أهم الملفات التي يجري انتظار ما سيفعله ترامب حيالها، على الصعيد الداخلي ملف الهجرة ومنع دخول المسلمين لأمريكا وإقامة جدار عازل مع المكسيك وملف الرعاية الصحية، أما على الصعيد الخارجي فالعالم بانتظار كيف ستكون علاقات أمريكا الخارجية في عهد ترامب مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل ودول الخليج والأهم بالنسبة للسوريين طريقة تعاطيه مع الملف السوري وهل سيكون أداءه أفضل من سلفه أوباما الذي ترك الملف بكامله بيد روسيا.
يمكن استشراف وتوقع بعض توجهات سياسة ترامب من خلال تصريحاته ومواقفه المعلنة حتى الأن، فقد وجه انتقادات لاذعة ومباشرة للاتحاد الأوروبي ولكنه أثنى على موقف بريطانيا بالخروج من الاتحاد وأعلن أن دولاً أخرى ستحذو حذوها، كما انتقد حلف شمال الأطلسي وعدم وجود دور فاعل له، يتضح أنه يريد إعادة رسم صورة التحالف مع أوروبا من جديد وستكون بريطانيا حليف الأول في مشروعه القادم.
لا يعرف كيف سيكون مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية بعد ما لعبته روسيا من دور مؤثر في مصير الانتخابات والذي كان لصالح ترامب ضد هيلاري كلينتون، فهل سيرد ترامب الجميل لبوتين أو يدير له ظهره؟ وهل سيخضع ترامب للروس كلياً بسبب ما لديهم من تسجيلات فضائحية له؟ وفي حالة انتقال ترامب لحالة عدائية ضد الروس فهل سيستخدمون ما لديهم من ملفات ضده ويطيحون به من رئاسة أمريكا، وبكل الأحوال لا يمكن لرئيس أمريكي أن يكون تابعاً لروسيا أو حليفاً لها.
في منطقة الشرق الأوسط لا تبدو سياسات ترامب استمراراً لعهد أوباما بل ربما ستتجه نحو نقيضها تماماً ما عدا الحفاظ على دعم استراتيجي قوي لإسرائيل، ويبدو أن إدارة ترامب غير راضية عن تفاصيل الاتفاق النووي مع إيران ومن هنا استبقت إيران أي تغيير في المواقف الأمريكية تجاهها وأعلنت أنها سترفض إجراء أي تعديلات على الاتفاق النووي وأنها سترد بشكل عنيف على أي محاولة لذلك وفي حركة استباقية لإمكانية تحسن العلاقات الأمريكية السعودية أعلنت إيران مد يدها للتعاون مع السعودية في الملفين اليمني والسوري وهي حالة تعاكس المواقف الإيرانية المتعجرفة السابقة في إطلاق تهديدات للسعودية نفسها.
يمكن لتركيا أن تحظى بفرصة ذهبية في عهد ترامب من خلال سعيه لإنشاء تحالف جديد، ولو استطاعت تركيا استغلال فرصة عدم قبولها بالاتحاد الأوروبي ومواقف ترامب ضد الإتحاد تكون قد ردت الصاع صاعين للاتحاد وتحولت كحليف اساسي لترامب في المنطقة.
يبقى الأهم بالنسبة لنا كسوريين قراءة مواقف وتوجهات ترامب حيال الملف السوري، واضح أنه سيقوم بتغيير جذري لسياسات أوباما التي أوكلت إدارة الملف كلياً لروسيا وابتعدت عن التأثير المباشر، وقد وجه ترامب انتقادات حادة لروسيا على دورها السيء في سورية وحملها مسؤولية الأوضاع الإنسانية المتردية مما استدعى رد فعل روسي عنيف، ومن المتوقع أن تعود أمريكا لاستلام إدارة الملف السوري بقوة وهي تملك كافة أدوات الضغط والقوة للقيام بذلك ولعل المخاوف الروسية هي التي جعلتها تعلن بدء سحب قواتها من سورية، ولا يمكن دولياً الاستمرار بقبول الملف السوري مفتوحاً لمدة أطول بل سيتم تحويل الصراع في سورية باتجاهات جديدة بين القوى الإقليمية والدولية بهدف التهدئة في مناطق سورية المفيدة كمرحلة أولى، وهنا تبدو غير ذات معنى الجهود الروسية التركية في المسارعة لعقد الأستانة ومحاولة فرض نتائج كأمر واقع من خلالها، فحتى التحالف الروسي التركي نفسه قد يتعرض لهزة عنيفة في العهد الترامبي.
يبقى القلق سيد الأحكام بانتظار ماذا سيفعل ترامب خلال جلوسه على عرش البيت الأبيض…هل سيحتفظ بصورته المهتزة أم أن فريق مستشاريه سيضع له باستمرار اتجاهات البوصلة بشكل متوازن حتى لو بقي هو مستمراً في تصريحاته العلنية الاستفزازية؟