رغم متانة العلاقات السياسية بين إيران والنظام السوري منذ عقود ووصولها لمرحلة متقدمة من التحالف السياسي والعسكري إلا أن علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين لم تكن بنفس المستوى وبقيت ضعيفة حتى ما قبل اندلاع الثورة السورية الأمر الذي يشير إلى وضع إيران الأهمية الجيوسياسية لسورية قبل أي اعتبار أو فوائد أخرى.
في سبيل الحفاظ على نظام الأسد من السقوط ضخت إيران الكثير من الإمكانيات والموارد المالية في سورية عبر تقديم الأسلحة والذخائر والعناصر البشرية، وكان رهانها الدائم هو انتصار النظام وبقاء الأسد على رأس لضمان استمرار مصالحها في سورية وبالتالي استعادة ما قدمته والتحول لجني المكاسب.
شهدت زيارة رئيس وزراء النظام عماد خميس الأخيرة لإيران توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية هامة، وهي تمنح إيران استثمارات لأراضي زراعية بنسبة 100%، كما تمنحها امتيازات لبناء ميناء نفطي تكون هي مسؤولة عن إدارة صادراته، كما حصلت إيران على امتياز لاستثمار منجم للفوسفات وعلى رخصة المشغل الخليوي الثالث في سورية.
يلاحظ أن تلك الاتفاقيات هي بمجملها لصالح إيران وكذلك تعلقها بقطاعات حيوية هامة تعتبر من القطاعات السيادية، فهي تمنح إيران سطوة وسيادة وتملك على أراضي زراعية وموانئ بحرية ومناجم فوسفات كما تتيح لها التحكم بالمشغل الخليوي الثالث في سورية.
ليس من السهولة في الأحوال الطبيعية أن توافق أي دولة على التخلي عن مرافقها السيادية لدولة أخرى حتى لو كانت في ضائقة اقتصادية وبحاجة لموارد لتغطيتها.
لا يمكن النظر لتلك الصفقات دون ربطها بالتدخل الإيراني العسكري المباشر لصالح النظام، وربما تكون التطورات المتسارعة في الملف السوري واستلام ترامب مقاليد السلطة في أمريكا أثارت قلق إيران وجعلتها تسارع لاغتنام مكاسب اقتصادية من النظام مقابل الخدمات التي قدمتها له وتحسباً من أي تطورات قد تكون في غير صالحها، وفي نفس الوقت فإن النظام لم يبقى لديه خيار أخر سوى القبول بما يملى عليه في كافة المجالات سواء من إيران أو روسيا بعد أن أصبح عاجزاً عن الاستمرار دون دعمهما المباشر.
سبق أن قامت شركات إيرانية للتطوير العقاري بالحصول على امتيازات لمشاريع سكنية في مناطق حيوية تدخل في إطار سعي إيران لإحداث تغيير ديمغرافي طائفي قومي في سورية عبر موجات من تهجير السوريين وإسكان شيعة من مختلف الجنسيات مكانهم بعد منحهم الجنسية السورية.
في نفس السياق منح النظام روسيا امتيازات اقتصادية كبيرة في مجال النفط والغاز كما أعطاها الحق في بناء قواعد عسكرية واستخدامها بشكل دائم.
بعد أن فقد كل إمكانية للبقاء دون الدعم الروسي الإيراني المباشر، يتجه النظام بعد أن خسر قراره السيادي بالمطلق نحو التخلي عن كافة مرافق البلاد بثمن بخس وهو يتوهم أنه يستطيع الاستمرار بالسلطة لو فعل ذلك.