انتشرت في الآونة الأخيرة موضة جديدة على صفحات التواصل الاجتماعي وهي قيام معارضين وناشطين بإصدار بيانات بمواضيع وأهداف مختلفة ثم يتم الطلب من الأخرين للتوقيع عليها وتأييدها.
ربما يكون غياب دور مؤسسات وهيئات المعارضة عن القيام بدورها هو ما دفع نحو هذا الأسلوب الجديد في العمل، ورغم أن معظم تلك البيانات تحمل في طياتها مضامين وطنية وأهداف ثورية لا جدال حول كثير مما يرد فيها، إلا أن الكثير من الملاحظات يمكن إثارتها حول الموضوع.
يتم إصدار تلك البيانات باستمرار كردود فعل على ممارسات و ارتكابات وقعت بالفعل، ويكون الهدف هو الاستنكار والإدانة بالدرجة الأولى.
على الأغلب يبدأ بها نفس الأشخاص أو المجموعات ويتم نشرها على الفيسبوك للتوقيع عليها.
يلاحظ على الأغلب تكرار نفس أسماء الموقعين في كل مرة وعددهم لا يتجاوز بضعة مئات في أحسن الأحوال، ويؤشر ذلك على تشكل طبقة متجانسة من الناشطين لكنها غير مرتبطة تنظيمياً.
يلاحظ الصبغة العاطفية في البيانات وهو أمر يؤكد الحاجة لمزيد من المراجعة والتحول نحو صيغة خطاب عقلاني أكثر.
لا يعرف لمن يتم توجيه تلك البيانات؟ ومن هي الجهة التي ستستلمها وتقوم بالإجابة والرد عليها، لأن صيغة الخطاب في البيانات عامة وغير محددة.
لا تتم متابعة عملية التوقيع على تلك البيانات وهي عادة تتوقف بعد عدة أيام دون أي نتائج تذكر وتدخل طي النسيان.
لم يتم العمل ولا مرة وفق نظام الحملات الطويلة المستمرة للتوقيع على بيان بغرض الوصول لتواقيع مليونية عليه على سبيل المثال، ولا شك أن ذلك لو حصل لجلب فوائد معقولة.
معظم البيانات للاستهلاك الداخلي ومكتوبة باللغة العربية فقط ومع ذلك هي موجهة للرأي العام الغربي أو المنظمات الدولية، وهذا القصور الموضوعي يكشف أن القائمين على حملات البيانات لا ينتظرون تحقيق نتائج منها أو أنهم على درجة مريعة من الجهل السياسي.
لا تحظى حملات التوقيع على البيانات بأية تغطية إعلامية، وربما يكون مفهوماً موقف وسائل الإعلام في عدم متابعة حدث ضعيف وعابر، لكن يبدو أن عدم اهتمام القائمين على الحملات بالترويج لها إعلامياً يدل على عدم قدرة أو قناعة بإمكانية نجاح العمل.
مواضيع البيانات وطريقة صياغتها أشبه بعرائض الاحتجاجات منها لوثائق قانونية يمكن نقاشها والاستناد إليها، ومن المواضيع المطروحة في البيانات : استنكار اعتداءات أو مجازر أو مواقف للمعارضة أو النظام والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ووقف الحرب وتحقيق السلام والحفاظ على السلم الأهلي ونبذ الطائفية وغير ذلك من مواضيع مشابهة.
كمثال نتكلم عن البيان الأخير الذي يتم تداوله وهو :
.عريضة للتوقيع
الى كل من يهمه الامر من مؤسسات تدعي تمثيل الثوره الى الدول ذات العلاقه
نعلن
نحن المواطنون من الجمهورية العربية السوريه..
تصرح ونؤكدوباسم جميع السوريين الذين خرجوا في كل الأراضي السورية منذ آذار 20111 لإسقاط نظام بشار الأسد وعصابته التي كانت ولازالت تدعمه في اغتصاب الحكم في سورية، بأن جميع القرارات والعقود والاتفاقيات والالتزامات التي وقعها بشار الأسد وجميع موظفيه باسم الجمهورية العربية السورية منذ ذلك التاريخ تعتبر لاغية وباطلة، وخاصة بعد إجماع أكثر من 125 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه أصبح نظاما غير شرعي،
وعليه فإن العقود الأخيرة الموقعة بين بشار الأسد وروسيا الفدرالية وايران تعتبر باطلة ولاغية وليس لها أي تأثير سياسي ولا قانوني ولاتلزم الشعب السوري بأي من بنوده.
يلاحظ أن البيان هو بمثابة تصريح باسم السوريين الذين قاموا بالثورة ضد النظام ولكنه يتحدث عن إبطال جميع القرارات والاتفاقيات والالتزامات التي وقعها النظام باسم سورية منذ تاريخ الثورة واعتبارها لاغية وباطلة، ولم يدرك كاتبو البيان ولم يتحدثوا كيف يمكن تحقيق تلك السابقة القانونية الدولية، غير أنهم أوردوا أن 125 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة أجمعت أن النظام غير شرعي وهو أمر لم يحدث على الإطلاق ولا يزال النظام هو الممثل الشرعي لسورية في المحافل الدولية، وهناك فرق كبير بين قرار إدانة للنظام وقرار يسحب عنه الشرعية ومن الغريب ألا يعرف كاتبو البيان ولا الموقعين عليه ذلك.
بالطبع سيكون مصير هذا البيان كسابقاته دون فوائد تذكر وسيتم إصدار بيانات جديدة للتوقيع بنفس الطريقة، ورغم كل هذه السنوات من عمر الثورة إلا أننا لم نصل لمرحلة نستطيع فيها القيام بحملات للتوقيع على بيان والوصول لنتائج من خلاله …. كم كشفت الثورة من ضعفنا وعجزنا وجعلتنا نبحث عن نجاح في أي مجال.