العربة أم الحصان؟… فخ البحث عن دستور قبل إسقاط النظام

ظهرت مطالبات كثيرة من مجموعة دول الأصدقاء للمعارضة بتحويل سورية بعد سقوط النظام لدولة مدنية ديمقراطية تعددية، وقد قامت أطياف المعارضة بالفعل في اجتماع القاهرة بإقرار وثيقة العهد الوطني التي حددت الملامح الأساسية لدستور سورية المستقبل، لكن الأمور اتجهت مؤخراً في الإعلان الثلاثي الروسي التركي الإيراني للمطالبة بجعل سورية دولة علمانية ديمقراطية.

 
لم تنص كافة الدساتير التي عرفتها سورية قبل الاستقلال وبعده على جعل سورية دولة دينية أو علمانية، لكنها تشترط أن يكون دين رئيس الدولة الإسلام وأن يتم اعتبار الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع، ولم يعمل حكام سورية مطلقاً تحت مظلة دينية أو دستور ديني بل كانوا على العكس من ذلك تماماً سواء كانوا سياسيين أو عسكريين ضد تيارات الإسلام السياسي. 

في دستور 1950 وهو من أنضج الدساتير في تاريخ سورية، كانت المفاجأة خلال نقاشه أن يقف الدكتور مصطفى السباعي وهو الإسلامي المعروف ضد إقرار نص دستوري يجعل من سورية دولة مسلمة وتم في النهاية إقرار نص يشترط أن يكون دين رئيس الدولة الإسلام وهو ما تكرر في جميع الدساتير اللاحقة، وبعد إنقلاب أذار 1963الذي كرس هيمنة كاملة لحزب البعث على سورية قام بفرض دستور يناسبه للاستئثار بالسلطات في البلاد، ورغم أن إيديولوجيا حزب البعث تدعو إلى القومية العربية والاشتراكية إلا أن دستوره أكد على المادتين السابقتين بخصوص اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع واشتراط الإسلام ديناً للرئيس رغم أنه حاول إلغاء هذه المادة ولكنه عاد لإقرارها بعد احتجاجات شعبية واسعة في 1972. 

لم تصل الأمور لمرحلة الاقتراب من سقوط النظام واستلام المعارضة لمقاليد الحكم ومع ذلك فقد قامت دول الأصدقاء بإشغالها بالتحضير للمرحلة الانتقالية بدءاً من إقرار وثيقة العهد الوطني عبر اجتماعات طويلة شهدت خلافات وانقسامات بين صفوف المعارضة وتبين فيما بعد أن كل ذلك بلا جدوى ومجرد إضاعة للوقت وحرف لنشاط المعارضة عن أولوية إسقاط النظام، ويبدو أن المعارضة بلعت الطعم ووقعت في الفخ. 

يبرز تساؤل هام حول دافع مجموعة دول الأصدقاء في الدفع نحو تحديد مسبق لشكل سورية القادم وعدم القبول بترك الشعب السوري يحدد ذلك مستقبلاً على أن يتم خلال الفترة الانتقالية اعتماد دستور 1950 كدستور مؤقت للبلاد والذي يحظى بمباركة واسعة من السوريين، لكن الغريب أكثر أن تتجاوز روسيا وتركيا وإيران وثيقة العهد الوطني التي اعتمدتها المعارضة لتطلب في إعلانها المشترك أن تكون سورية بلداً علمانياً ديمقراطياً، والأكثر غرابة أن تكون إيران الدولة الشمولية الأصولية هي من الدول التي تطالب بجعل سورية دولة علمانية. 

“اتضح جلياً الأن أن تأييد مجموعة الأصدقاء ليس من أجل تحقيق أهداف الثورة بإقامة نظام ديمقراطي تعددي يحظى فيه السوري بالحرية والكرامة، بل كان ذلك بهدف تحقيق المصالح القومية لتلك الدول عن طريق تدخلها في الملف السوري”

هل كانت لدى دول مجموعة الأصدقاء مخاوف جدية من احتمال وصول فصائل جهادية للسلطة في سورية وبالتالي تعمل على تنفيذ أجندتها ومشروعها السياسي؟ وهو نفس السبب الذي جعل تلك الدول تتراجع عن دعم المعارضة بشكل يتناسب طرداً مع ازدياد نفوذ وسيطرة الفصائل الإسلامية. 

اتضح جلياً الأن أن تأييد مجموعة الأصدقاء ليس من أجل تحقيق أهداف الثورة بإقامة نظام ديمقراطي تعددي يحظى فيه السوري بالحرية والكرامة، بل كان ذلك بهدف تحقيق المصالح القومية لتلك الدول عن طريق تدخلها في الملف السوري، ولذلك لم نجد منها دعماً حقيقياً يؤدي لإسقاط النظام بل كانت تسعى لإطالة أمد الأزمة والعمل على إدارتها وهو الأمر الذي أتاح للنظام فرصة التقاط أنفاسه ومن ثم استجلاب القوات الروسية والإيرانية والميليشيات من أجل منع سقوطه.  

ما يصيب السوريين بالصدمة هو عودة كثير من الدول عن مواقفها ضد النظام والضغط على المعارضة للقبول بحل سياسي بالشراكة معه، ولم نعد نسمع تصريحات أو حتى وعود بإسقاط النظام ومحاكمة رموزه على ما ارتكبوه من جرائم. 

لنعترف أننا كنا وربما لا زلنا عاطفيين أكثر مما ينبغي، صدقنا الوعود المعسولة واعتقدنا أنها ستتحول لوقائع وحقائق ولكن حساب السياسة لم يتفق مرة مع حساب الأخلاق والمبادئ الإنسانية. 

 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “مرآة سوريا”