ضربات الأستانة القاتلة للثورة

في جنيف 2 طرح وفد المعارضة خطة للانتقال السياسي لم يقبل وفد النظام نقاشها طالباً أن يتم بشكل معكوس البدء بمحاربة الإرهاب عبر تشكيل جيش مشترك من النظام والمعارضة.
 

بعد ثلاث سنوات وفي الأستانة جاءت النتائج لصالح الجعفري بعد أن وقعت المعارضة المسلحة في الفخ من خلال مشاركتها وما صدر عن الاجتماع وما تلاه من نتائج. 

كانت الخطة الروسية التركية أن يتم دفع فصائل المعارضة المسلحة للمشاركة في المفاوضات والتي تقبل بالمشاركة تكون قد دخلت مسار الحل السياسي وتصبح في منأى عن الأعمال العسكرية ضدها بسبب التزامها بالهدنة، ومن الطبيعي أن ينشب العداء بينها وبين الفصائل الأخرى التي لم تشارك في أستانة وقد بالغ الجعفري في توصيف الحالة باعتباره أن الفصائل المشاركة في أستانة ذاهبة بالضرورة لمصالحة مع النظام لا بل والمشاركة معه في محاربة الإرهاب. 

على الفور شعرت الفصائل الغير مشاركة في أستانة بالخطر وقامت بهجوم مباغت على الفصائل المشاركة في أستانة حيث استولت على مواقع ومقرات ومعدات تابعة لها وباتت الخريطة الميدانية معقدة حيث تغيرت تحالفات وولاءات الكتائب بسرعة وبالتالي مناطق سيطرتها ونفوذها.
من الصعب الحديث عن المشهد الميداني الحالي لقوى المعارضة المسلحة وتوصيفه لأنه يتغير وسيتغير باستمرار بانتظار الوصول للتوزع التالي :
 

كتائب الجبهة الجنوبية مضبوط إيقاعها عبر غرفة التحكم الأردنية.  

ما تبقى من كتائب ريف دمشق في الغوطة الغربية والشرقية عليها القبول بالمصالحة ولن يقبل النظام وروسيا استمرارها لأنها تدخل في نطاق جغرافيا سورية المفيدة، وسيتم انهاكها لجعلها تقبل شروط النظام. 

كتائب ريف حمص الشمالي وريف حماة سيأتي وقت تحديد مصيرها بعد الانتهاء من ريف دمشق، وبات وضع هذه الكتائب صعباً في ظل الحصار وانقطاع خطوط الدعم والإمداد ولن تستطيع الصمود طويلاً أمام حملة عسكرية شرسة ضدها، وما يجري حالياً هو استنزاف لها تحضيراً للعمل القادم ضدها. 

كتائب الشمال في إدلب وريف حلب الشمالي: وهي تنقسم لعدة مجموعات :
قسم تابع للقيادة التركية المباشرة، قسم منخرط في العملية السياسية، قسم خارج الحل السياسي من كتائب النصرة ومن يتفق مع منهجها إضافة لقوات تنظيم داعش، من المتوقع اندماج وتعاون كامل بين النصرة وفصائل متفقة مع منهجها الفكري وربما سيحصل تعاون مع داعش كذلك يقوم بمحاربة باقي الفصائل، وهنا يأتي الدور التركي الصعب في دعم فصائل وتقويتها في حرب النصرة و داعش وحلفاءهم ومن ثم ضبط إيقاع الجبهة الشمالية بشكل مماثل للجنوبية.
 

قوات سورية الديمقراطية يمكن ضبط إيقاعها من خلال القوى الغربية الداعمة لها وخاصة أمريكا.
 

لا يمكن توقع البدء بالحل السياسي الموعود قبل ضبط كامل لكافة القوى الميدانية، وستصبح قوة المعارضة تحت وصاية القوى الخارجية، بينما لم يتضح حتى الأن كيف سيتم السيطرة على الميليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانب النظام وهي تخضع للسيطرة الإيرانية المباشرة، فهل ستقوم إيران بضبطها بالفعل أو الموافقة على إخراجها من سورية عندما يحين وقت خروج جميع القوى الأجنبية من البلاد، وما هو الثمن الذي تريده إيران مقابل ذلك ؟ 

الجعفري انتصر في الأستانة

لم تقدم الدول الصديقة للثورة أي مساعدات مهمة للجيش الحر عندما كان يقاتل وحيداً في الميدان وقبل قدوم الجهاديين من خارج الحدود عبر الحدود التركية، بينما استطاع الجهاديون الحصول على دعم كبير وبسرعة مكنتهم من تحقيق مكاسب ميدانية كبيرة وسريعة أدت لتفتت الجيش الحر في النهاية مما يثير علامات استفهام مستمرة حول دور الجهاديين الحقيقي ومن يقف وراءهم ؟ وما هم دورهم في إنهاء الثورة السورية ؟ 

ويبقى التساؤل المحير هل أخطأت فصائل المعارضة بتعاونها مع الجهاديين وتوفير الأرضية المناسبة لعملهم ؟ بل لماذا وقع السياسيون والناشطون أيضاً في الفخ نفسه باعتبار ما تحققه تلك الكتائب بمثابة انتصارات للثورة، وأخيراً وليس أخراً دخول المجلس الإسلامي السوري في معمعة الاستقطاب الميداني ضد النصرة وداعش. 

يبدو أن المعارضة ارتكبت خطأ مزدوجاً مرة عندما شاركت في جنيف 2 وأخرى عندما لم تقم بالتحضير المناسب للاجتماع وفهم أبعاده ومراميه، والأن هناك من يقول أنه ليس لدى المعارضة أي أوراق قوة وضغط لتناور أو ترفض حضور الاجتماعات التي ستدعى إليها دون النظر لجدواها، بالفعل تمر الثورة السورية من خلال المعارضة السياسية والمسلحة بأزمة وجودية عميقة لا يبدو طريق الخروج منها واضحاً.
 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “مرآة سوريا”