طفلان من ريف دمشق يرويان معاناتهما ورحلة الهروب من جحيم الموت – مرآة سوريا

يعاني أطفال سوريا من ويلات الحرب التي أشعلوها بأناملهم الغضة وكتبوها بدمائهم الحمراء الزكية منذ أكثر من خمسة أعوام ولا زالت تلقي بظلال أليمة على أولئك الأطفال الذين دفعوا ثمناً باهظاً من اعتقال وتعذيب وحشي وقتل وتهجير وقهر وجوع وأمراض.

محمد ومرام طفلان من ريف دمشق كانا يحلمان بوطن آمن مجرد من البراميل وأصوات القصف وكانت الثقة تملأ قلبيهما بما كان يقال لهما عن نهاية حتمية للكابوس الذي يلاحقهما في نومهما ينامان ويستيقظان على أمل التخلص من الكابوس المرعب لكن دون جدوى فألوان الموت واحدة رغم تنوعها وموسيقى الرعب والموت صاخبة لا تفارق سماء الريف الدمشقي إلى أن شاء قدر الله اقتلعتهما باصات الشؤم “الخضر” مع عائلتهم ونقلتهم إلى مدينة إدلب حتى تمكنا من الوصول إلى ولاية هاتاي جنوب تركيا فاحتضنتهما مدرسة تجمع السوريين في كركخان.

وعبر الطفلان محمد ومرام الرفاعي خلال حديثهما لموقع مرآة سوريا عن الآلام التي تختلج في صدرهما قائلين:”لم نكن نحلم بشيء أكثر من العيش بسلام في بلدنا , أثقلتنا أصوات الطائرات اليومية المخيفة , الصواريخ بأنواعها , البراميل , كانت القيامة في غير أوانها, لم تعد السماء زرقاء ,والأشجار اختفت خضرتها , وتلون الكون بألوان الدمار الأسود والدخان , نسينا كل الألوان إلا اللون الأحمر , هناك اختلط كل شيء ولم نعد قادرين على التمييز بين أشلاء البشر والحجر “.

ويشير محمد وأخته مرام إلى حجم الدمار الذي طغى على كل شيء في ذكرياتهما “لا نتذكر شيئاً , حتى طريق مدرستنا القديم نسيناه , نستحضر الأشباح التي تطاردنا في كل الزوايا , نسترجع الخراب في حارتنا , نسينا ما تعلمناه في مدرستنا الجميلة إلا نظرية الحساب لا يمكن أن تغيب عن ذاكرتنا ففي كل يوم نعد ونحصي الشهداء الذين يسقطون من الأطفال والنساء والشباب , كل يوم نحصي أعداد الشهداء الذين ينتقلون إلى الجنة , ونحن نترقب ذلك الكابوس المرعب , هل يأتي دورنا , بالقصف , أم تحت الأنقاض , أم ماذا ؟ , لا يأتينا إلا جواب واحد: شدة وتزول “.

ويضيف الطفلان الرفاعي:” عشنا أجواء وظروفاً في الداخل السوري لا نحسد عليها , بدا كل شيء مخيفاً , ولم يعد هناك ما نخسره سوى أرواحنا , ولم يكن القصف وحده موتنا الذي ننتظره فقد عايشنا صراعاً من نوع آخر أكثر بطئاً إنه الجوع والعطش والحصار الخانق الذي كان أكثر إيلاماً في أجسادنا المتعبة , الغذاء غير متوفر , الدواء للأسف غير موجود , مأساة , وقصص كثيرة من قصص الموت المرتقب , كوابيس تسكننا ليل نهار ,يئسنا من كل شيء وانتظرنا قدرنا , يئسنا من كل شيء إلا الأمل بالله “.

ولفت الطفلان محمد ومرام الرفاعي إلى اللحظات المريرة والصعبة حين أسلم الأهالي لقرار التهجير القسري وانطلقت زمامير الباصات وما أقسى تلك المواقف التي تقتل القلوب وتهجر أجساداً لم تنتزعها كل أصناف الموت , مكرهين ركبا باصات الموت الخضراء إلى المناطق المحررة في مدينة إدلب حيث بقيا فيها لأيام معدودة إلى أن تمكنا من عبور الحدود التركية إلى مدينة كركخان بولاية هاتاي القريبة من الحدود وتابعا قائلين:”نحمد الله الذي أنقذنا من كل أشكال الموت حتى وصلنا إلى هذه المدينة حيث رمانا القدر ورغم كل أوجاعنا التي لا توصف إلا أننا نعيش حياتنا اليومية مع أصدقائنا السوريين في الحي الذي نسكنه واستطعنا أن نتابع علومنا ودراستنا في الصف السابع في مدرسة تجمع السوريين في كركخان التي قدمت لنا كل دعم ورعاية وبذل كادر المدرسة جهوداً كبيرة في سبيل أن نبقى سعداء فكان لتلك المدرسة ممثلة بإدارييها ومعلميها الدور الأكبر في نسيان تلك المأساة والمعاناة التي لازمتنا حتى لحظة وصولنا إلى تركيا “.

وتبقى قصص ومعاناة الأطفال هي الأشد إيلاماً وتأثيرات الحرب عليهم هي الأقسى وما يدعو للحزن والألم أن جميع أطفال سوريا بلا استثناء قد طالتهم تلك الآثار ما يجعل معاناتهم مستمرة وطويلة الأمد حتى بعد أن تنتهي الحرب القذرة ويخرس الرصاص.

أضف تعليق