هل يمكن اعتبار تصريح ديمستورا الأخير بمثابة توجيه انذار وتهديد صريح للمعارضة، حيث طلب منها أن تتفق على تشكيل وفد موحد لجولة المفاوضات القادمة في جنيف وفي حال عدم تنفيها ذلك سيقوم هو بتشكيل وفد المعارضة الذي سيتفاوض على حل سياسي مع النظام.
لا تستطيع المعارضة القبول بتصريح ديمستورا بأي حال إضافة إلى أنه من المستحيل عليها تنفيذه قبل أسابيع من انطلاق المفاوضات، وهي قد عجزت عن فعل ذلك خلال عدة سنوات قبل وصول المشهد لهذه الدرجة من التعقيد عبر ظهور واسع لجهات ومنصات وهيئات معارضة جديدة لم يكن لها دور مباشر وتمثيل سياسي فيما سبق، لكنه كان يتم تصنيعها على مهل في مطابخ سرية لتقوم بلعب دور البديل عن المعارضة التقليدية وهيئاتها المعروفة في حال انصياعها للحل النهائي.
لا يمتلك ديمستورا استناداً لوظيفته ومهامه كوسيط بين اطراف النزاع أي صلاحيات تخوله القيام منفرداً بتشكيل وفد موحد للمعارضة وإلا لكان فعل ذلك ولم يستنزف كل هذا الوقت حتى الوصول لتشكيل الهيئة العليا للتفاوض باعتبارها مفاوضاً رئيسياً باسم المعارضة، وهو يلام حتى لو كان يملك تلك الصلاحيات ولم يستخدمها.
يمكن أن يكون ديمستورا قد رفع سقف تصريحه ليصبح في مستوى الإنذار ليرة ماذا ستكون ردود أفعال الهيئة العليا للتفاوض والائتلاف الوطني عليه بشكل خاص، فلو مر تصريحه بسلام فإن ذلك يعني نهاية لتلك الهيئات المعارضة حيث أنها تكون قد سلمت زمام أمورها بشكل كامل لما يريده ديمستورا وهو لن يعطيها أكثر من تمثيل محدود ضمن وفد المعارضة الموحد، وفي المقابل فإن المعارضة ليست في وضع قوي يسمح لها بالتصدي لديمستورا وهي لا تزال تشعر بمرارة إبعادها وتغييبها عن لقاء الأستانة الأخير رغم وجود تركيا الصديقة كراعي رئيسي بالشراكة مع الروس، ومن المتوقع أن تكون الأحوال أسوأ في جنيف وخاصة بعد لقاء موسكو الذي جمعت فيه روسيا عدة منصات معارضة أبدت تأييدها للتحركات الروسية العسكرية والسياسية، وهذه المنصات يتم تسويقها كجهات قابلة للمشاركة في حل سياسي وليس عملية انتقال سياسي كما تريد الهيئة العليا والائتلاف الوطني وهي جاهزة للقبول بالمفردات والتفاصيل التي تقدم إليها كما هي دون تعديل، وهذه هي المهمة التي تم تحضير تلك المنصات الطارئة للقيام بها.
إذن هي عملية شد حبال بين ديمستورا والمعارضة ولا يبدو موقف المعارضة قوياً بما فيه الكفاية لشد ديمستورا باتجاهها، ويبدو أن ديمستورا لن يقبل سوى بمشاركة وفد للمعارضة يناسب خطته ومشروعه للحل السياسي وقد باتت في يديه بالفعل أوراق كثيرة يستطيع اللعب بها.
لا يتوقع أن تنتهي جولة جنيف القادمة لشيء ملموس في طريق الحل السياسي، ويبدو أن هدفها الأساسي الاستمرار في تخفيض سقف مطالب المعارضة التقليدية والتحول بها للقبول بالحل السياسي بالشراكة مع النظام، ولا يغدو هدف جولة جنيف القادمة سوى فرض مرجعيات جديدة تنسف المرجعيات الدولية السابقة المتعلقة بالملف السوري وتكسب مشروعيتها من قبول المعارضة الجديدة بها بل حتى والدفاع عنها، وهذا هو المحتوى الحقيقي لإنذار اللئيم ديمستورا؛ فهل تستطيع الهيئة العليا للمفاوضات وما تبقى من الائتلاف الوطني مقاومة إنذار غورو.. ديمستورا؟