المحروقات، مشكلة قديمة دائمة متجددة، يرزح تحت سطوتها المدنيون في مناطق سيطرة النظام و المعارضة في سوريا، رئات الناس باتت سوداء، و سلامتهم في خطر محدق، و محركات السيارات و آلات المعامل تغصّ بأوساخ المحروقات و مرفقاتها.
تنظيم الدولة يسيطر على الآبار، و النظام يرفع الدعم عن المحروقات في خفاء، و الأكراد يقطعون و يتحكمون بطرق إمداد المعارضة، و المحارق البدائية منتشرة رغم صعوبات، و تجار الأزمات يفكرون بفتح حسابات في بنوك سويسرا، و الناس بين برد شتاء قارس، و دخان أسود يتصاعد من محارق و مداخن تنفث دخانها الأسود داخل غرفهم، يتسلل إلى رئات أطفالهم كموت صهيونيّ أسود.
يعتمد نظام الأسد في تأمين المحروقات على مصافي حمص و بانياس و تدمر، فيما تعتمد المعارضة في مناطقها على ما تستجلبه عبر تجار وسطاء من مناطق النظام، و مناطق سيطرة الميليشيات الكردية، إذ أنها لا تملك أي مصدر مستقل بها، فيما يملك تنظيم الدولة القسم الأكبر من الآبار النفطية و خصوصًا بعد سيطرته على الحقول في ريف حمص الشرقي قبل أسابيع قليلة.
عدسة مرآة سوريا، جالت عبر مراسلينا في حلب و إدلب، جمعة علي و أحمد خطيب، لترصد واقع الناس و التجار و قوات المعارضة و المنشآت التي تعتمد على المحروقات في المناطق المحررة.
مواد متوافرة و لكن..
تتوفر مواد الغاز و المازوت و الكاز و البنزين في جميع المناطق المحررة، إلا أنّها مرتفعة السعر، و يزداد سعرها مع كل طارئ يتعلق بمنافذ دخولها، كاحتكار تجار النظام، و قطع طريق عفرين من الميليشيات الكردية.
يبلغ سعر جرة الغاز في المناطق المحررة بين 8-10 آلاف ليرة، و هي إلى جانب البنزين الذي يبلغ سعر الليتر الواحد منه نحو 350 ليرة، و المازوت الذي يباع بسعر بين 400-500 ليرة لليتر الواحد، تأتي من طريقين لا ثالث لهما مشترك مع النظام في قلعة المضيق و قرية أبو دالي شرقيّ معرة النعمان، بريفي حماه و إدلب تتاليًا.
أما بالنسبة للمحروقات غير النظامية، و التي تأتي كمواد خام من مناطق تنظيم الدولة مرورًا بمناطق الأكراد التي تتقاضى عمولة على إيصالها لمناطق المعارضة عبر منفذ عفرين، فهي الأكثر انتشارًا و الأكثر ضررًا و خطورة، و هي بطبيعة الحال أرخص سعرًا.
حراقات بدائية
تنتشر في مناطق المعارضة “حراقات” بدائية، يتم فيها حرق المادة الخام في خزان كبير، و يتم استخراج المواد المختلفة بحسب الفترة التي بقيت فيها بالمرجل، فبعد ساعة من الحرق ينتج البنزين، و بعد وقت آخر الكاز، ثم المازوت، كما تأتي هذه المواد جاهزة من مناطق تنظيم الدولة أيضًا.
توصف المواد التي يتم إنتاجها عبر الحراقات بـ “العرعورية”، فتسمى بـ “المازوت العرعوري”، و “البنزين العرعوري”، و “الكاز العرعوري”، ليتم تمييزها عن المواد التي تأتي عن طريق النظام.
و لا تكون المواد الناتجة عن الحراقات البدائية صافية و نقية بنسبة مائة في المائة، بل جميعها تكون مشوبة، و هو ما يجعلها خطرة على السلامة، و مضرة بمحركات السيارات و المعامل، إلا أنها تبقى أكثر رغبة لأن تواجدها أكثر، و أسعارها أقل من أسعار المواد القادمة من النظام.
الحطب بديل مناسب رغم قلته
يعتمد معظم المدنيين في مناطق المعارضة على الحطب كمادة رئيسية للتدفئة، فهو الأرخص سعرًا من باقي مواد التدفئة، كما يعتمد البعض على المازوت العرعوري أيضًا رغم خطورته.
و لا يتوفر الحطب بكميات تسد الطلب، و يتم جلبه من مناطق النظام عبر تجار وسطاء، ويبلع سعر الطن الواحد نحو 65 ألف ليرة سورية.
و انتشرت ظاهرة قطع الأشجار بشكل عشوائي في المناطق المحررة، و هو ما دفع عدة جهات عسكرية معارضة إلى التحذير من ذلك باعتبار سلبياته أكثر من إيجابياته، إلا أن ذلك لم يكن رادعًا، و خصوصًا لعناصر المقرات المختلفة.
و في مناطق الساحل الخاضعة لسيطرة النظام، توالت تقارير إعلامية متعددة عن قيام مجموعات ميليشوية، تعمل بتواطؤ مع مسؤولين في الحكومة، على حرق الغابات في جبال اللاذقية، بغية الاستفادة منها لاحقًا كحطب للتدفئة، و ذلك تجنبًا لحدوث أية “شوشرة” بين المؤيدين حول قطعها و هي خضراء.
لا دعم كافٍ
تقدم بعض منظمات المجتمع المدني دعمًا يسيرًا ومحدودًا لمواد التدفئة للعائلات المحتاجة في الأراضي المحررة، إلا أنها قليلة جدًا و نادرة و لا تغطي الحاجة العامّة، كما أن فصائل المعارضة السورية عبر مكاتبها المدنية لم تشارك في دعم هذه المواد لتخفيض أسعارها، أو إمداد العائلات بها على نحو يذكر، وتبقى الحالات فريدة و محدودة و ذات خصوصيّة.
و يضطر المدنيون على شراء تلك المواد بحسب استطاعتهم، و قد أمضت عائلات كثيرة هذا الشتاء دون أن يشتعل في منازلها أي فتيل تدفئة.
و يقترح المهندس عبد المعطي علوان، و هو من نزحي ريف حماه، و العامل في إحدى مظمات المجتمع المدني، أن يتم خلق آلية ما توحد جهود المكاتب المدنية التابعة لفصائل المعارضة، و جهود منظمات الإغاثة و المجتمع المدني، يتم خلالها استغلال إمكانات الطرفين اللوجيستية و المالية، بما يسهم في تخفيف معاناة المدنيين و حماية أطفالهم.
و يرى علوان أنّ هذه الآلية ممكنة و لكنها تحتاج إلى خطوات فعالة على الأرض و مبادرة حقيقية تصهر فيها الإمكانات في سبيل خدمة المدنيين دون أهداف خاصة.
و ما زال في عمر شتاء هذا العام ثلاثة أشهر، بينها آذار شهر العواصف و الأمطار، كما يقال في سوريا، و ما زالت خيام النازحين تتمايل مع كل هبة هواء، و ما زال رئات الأطفال تتنفس دخانًا ضارًا يعجز غبار القصف عن تنظيفه، في ظل أولويات تحكم رب الأسرة أهمها تأمين لقمة الطعام، و صهريج الماء، و آجار الخيمة و المنزل!.
الميليشيات الكردية وقطع الطريق بسبب معارك درع… من طرف thesyrianmirror