ميشال سورا هو باحث وعالم اجتماع فرنسي متخصص في الشؤون العربية ولد في تونس عام 1947 وبقي فيها حتى عام 1961 عندما اشتد القصف الفرنسي عليها وحان وقت مغادرته لها بشكل قسري شكل صدمة له، ولكن هم الشرق سكن فيه فعاد بعد إنهاء دراسته الجامعية في ليون ليحط رحاله في بيروت حيث زار المخيمات الفلسطينية وتنقل بين بيروت ودمشق وباريس حيث تعرف أكثر على المشهد السوري السياسي والاجتماعي وتناوله فيما بعد بشكل تحليلي في كتاباته، رجع إلى بيروت عام 1980 ضمن مشروع علمي فرنسي وبقي فيها ورفض المغادرة أثناء الاحتلال الإسرائيلي عام 1982، اختطف عام 1985 على يد منظمة الجهاد الإسلامي مع مجموعة من الفرنسيين في لبنان حيث تم إطلاق سراح الأخرين وإعدام سورا بتهمة التجسس.
صدر الكتاب منذ 30 سنة بعد وفاة المؤلف وهو تجميع لمقالات يضع فيها خلاصة دراساته الميدانية وتحليلاته عن سورية والمنطقة.
في عام 2012 تم إصدار طبعة جديدة للكتاب بمبادرة من مجموعة من المثقفين الفرنسيين المساندين للشعب السوري وللثورة السورية.
كان منتظراً أن تصدر الترجمة العربية للكتاب عام 2005 عن إحدى دور النشر اللبنانية لكن ذلك توقف بسبب لجوء الدار لإجراء تعديلات على عنوان ومضمون الكتاب خوفاً من بطش النظام السوري، وأخيراً صدرت الترجمة العربية للكتاب عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر بترجمة أمل سارة ومارك بيالو وتقديم برهان غليون وجيل كيبل.
يفيد الكتاب في فهم ما يجري في أيامنا هذه حيث يظهر من خلال همجية بشار الأسد مدى التطابق بينه وبين والده الديكتاتور.
يعتبر ما ورد في الكتاب دليلاً على تجذر العنف في عقلية السلطة واستحالة أن تتخلى عائلة الأسد عن الحكم بالحوار أو بغيره من الوسائل السلمية، ويقدم تحليلاً عن شخصية حافظ الأسد وكيف استطاع وضع المجتمع السوري في إطار بيروقراطي من النقابات والمنظمات الشعبية والاتحادات المهنية التي تسيطر عليها الأجهزة الأمنية، ويبين كيف نجح الأسد في إعطاء صفة ديمقراطية على حكمه عبر إنشاء الجبهة الوطنية التقدمية وكيف بنى علاقات وثيقة مع الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وكيف عقد معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي وأقام تحالف استراتيجي مع إيران.
يظهر الكاتب كيف كسب الأسد ود وتأييد الطائفة العلوية ويطلق سورا اسم المماليك الجدد على الطبقة الحاكمة العلوية، ويستنتج أن ما يجري في سورية ليس صراع بين اليمين أو اليسار أو بين طبقات المجتمع أو حتى بين التقدمية والرجعية بل ينحصر برأيه بتثبيت سلطة الأسد، ويشرح كيف استغل الأسد تباينات المجتمع واختلافاته بمهارة وجيرها لصالحه، وكيف لعب على الثنائيات في وقت واحد دون أن يسمح لأي طرف فرصة السيطرة على الطرف الأخر أبداً، ويؤكد أن الأسد لم يهتم أبداً بتأسيس نظام حكم بمعنى بناء دولة ومؤسساتها وفق تراتبية واضحة معروفة بل بطريقة غامضة خاصة بالأسد.
يعتبر د. برهان غليون أن كتاب سورا من أغلى النصوص في التاريخ الحديث لأنه كلف الكاتب حياته فهو قد كشف حقيقة النظام العميقة أي واقع اختطاف الدولة من السوريين شعباً وأفراداً وتحويلها إلى أداة للسيطرة وإنتاج العنف وتعميم الأكاذيب وتشويه الحقائق المستخدمة لإخضاعهم وتجريدهم من إنسانيتهم، ويرى غليون من خلال تحليل الكتاب بأن استراتيجية الحرب التي يخوضها الأسد الابن للرد على الثورة التي فجرها لاستعادة هويتهم وكسر قيودهم وفرض لاعتراف بوجودهم وحقوقهم على سلطة لا تختلف عن أي سلطة احتلال لا في خططها ولا في أساليبها ووسائل القمع والتحايل السياسي والإعلامي، فكما في كل مرة لا يجد نظام الأسد رداً على التظاهرات سوى باللجوء إلى العنف ورفض الحوار والسعي لإنهاء النزاع عبر حمامات من الدماء تشكل عاملاً لردع الشعب سنوات طويلة عن التفكير بالقيام بأي احتجاجات ضده، ما يحصل اليوم هو ما حصل بالأمس تماماً من قتل وإبادة ودمار وتهجير وتشريد، كل ما هنالك أن ما جرى قبل أربعة عقود في حماة لكنه يجري الأن على نطاق سورية بكاملها وبعنف منفلت أكثر حيث تحولت مجزرة حماة في الثمانينات إلى حرب إبادة جماعية في العقد الثاني من القرن 21.
في أكثر من جانب يفضح هذا الكتاب سياسة الأسد الذي امتهن القتل والكذب سياسة للحكم، ويشكل وثيقة اتهام فعلية ضد نظام كان ولا يزال المنتج للعنف الخارج عن القانون والموزع له في سورية والعالم.