شهد أحد الناجين من مجزرة حماة في نيسان 1981، على هذه الواقعة، في هذه الوثيقة المسجلة على شريط صوتي، نشرت منها صحيفة واشنطن بوست في عددها الصادر في 25 حزيران 1981 بعض المقاطع:
كل شيء بدأ في حيّنا، المشارقة. كانت الساعة 1:30 صباح هذا اليوم، الجمعة 24 نيسان. لم أكن نائماً. رأيت طوافتين حطّتا على المقبرة المجاورة. خرج منهما جنود، وأغلقوا الحيّ. حوالى الساعة الثانية، بدأ إطلاق النار. وهاجموا المنازل. وطرقوا على الأبواب وحمّلوا كل الرجال. وبعد أن جمعوا 15 أو 20 رجلاً، قادوهم إلى طريق مغلق، ومن ثم مضوا إلى الآخرين. حوالى الساعة الخامسة جاء دور منزلنا، أخذوا رجلين من عند الجيران, كان هناك أربع شقق في الدور الواحد، ولكنهم لم يروا باب الشقة الثالثة أو الرابعة، لأنه لم تكن هناك إنارة في الممر. ولحسن الحظ، لم يدخلوا منزلنا إذاً. لبست وهيّأت نفسي للخروج، معتقداً أن الأمر كما في السنة السابقة حفلة ضرب، لثلاثة أو أربعة أيام، وأنهم سيخلون سبيلنا بعد ذلك. هكذا فعلوا السنة الفائتة، بإطلاق الرصاص في الهواء وفي الاتجاهات كافة لإرهاب السكان. بالطبع من الممكن أن يقتل أحدهم بالمناسبة، ولكن لم تكن هناك مشكلة بذلك. هذه المرة، لم نفهم ماذا حصل على الفور؛ إذ لم تكن هناك أية مقاومة، على الأقل في حيّنا. واستمر إطلاق النار لمدة تسع ساعات، حتى الساعة التاسعة والنصف صباحاً. في تلك الأثناء، كنت أسمع من بيتي تأوهات النساء التي ملأت الحي، وأيضاً صراخ الرجال، الذين أبرحوا ضرباً قبل إعدامهم.
حوالى الساعة الحادية عشرة، تعرفت على صوت أخي في الشارع، وهو لا يسكن عندنا، لأنه متزوج. سمعته يصرخ: “لم يتركوا رجلاً واحداً، ولا صبياً واحداً في الحي!” نزلت وأنا ألبس قميصي. وسرت بضع خطوات، قبل أن أقع على أشلاء جثة، وأيضاً أشلاء أخرى. كان هناك عشر أو خمس عشرة جثة، ومررت أمام كل واحدة منها، ونظرت إليهم طويلاً من دون أن أصدق عينيّ. في كل كومة كان هناك 15، 20، 30 جثة. كان يصعب التعرف على الوجوه. أعتقد أن رشقات الرصاص كانت بمستوى الرؤوس؛ إذ رأيت أشلاء من النخاع على الأرض والجدران. وبدا الوضع مأساوياً! كان هناك من الأعمار كافة من عمر 14 سنة، في لباس النوم، أو جلابية، يلبسون صنادل أو عراة الأقدام. من عتبات المنازل إلى المزاريب، كان الدم يسيل كالساقية.
وتجمّعت العائلات حول أكوام الجثث تنتحب. رأيت امرأة على مدخل منزل، أمام إحدى تلك الأكوام. وقلت لها من الأفضل أن تلزمي منزلك وعدم النظر إلى هذا المشهد الذي لا شيء يسر فيه. ردت: “كيف يمكنني أن أدخل إلى منزلي؟ الليلة السابقة، كان المنزل يعمره سبعة أشخاص، والآن ها هم. كيف أدخل وأتركهم في الخارج؟”، عرفت عائلة فقدت تسعة من أفرادها وأخرى أحد عشر. ينبغي القول إنه أثناء حملة الاعتقال، لم يطلبوا أية بطاقة هوية.
السنة السابقة، أكثر من 20 أو 25 شخصاً قتلوا دفعة واحدة. وعلى أي أساس؟ كان أحد أفراد عائلة مطلوباً، نزل الضباط إلى الشارع وجمع كل من يحمل اسم العائلة نفسه: الأب، الأخ، ابن العم…، وعمدوا إلى تصفيتهم في الزاوية ومن ثم غادروا مخلّفينهم في مكانهم. ولكن هذه المرة، لم يفرّقوا، ولم يطلبوا بطاقات الهوية. وبالمناسبة، كان هناك ستة أعضاء من الكتائب المسلحة الموالية للنظام من ضمن الضحايا، أي بعثيون ممن خضعوا لتدريب عسكري للـ “دفاع عن الثورة”!